كتب الأب طوني خضره
إنّ أبشع المجازر في الخمسين سنة المنصرمة وأكثرها دمويّة كانت بين طوائف متعدّدة تحت إسماء “حرب الله”، “القتل بإسم الله”، “الحرب المقدّسة”، “الجهاد من أجل الدين”، “نصرة لديننا”… وما إلى آخره من المفردات والجمل التي إن دلّت فتدلّ على الجهل والتخلّف واستعمال الله والدين لغايات بشريّة واقتصاديّة لا علاقة للإيمان بها.
بالمفهوم القديم للأديان كان البشر يضحّون بأولادهم وماشيتهم ورزقهم للآلهة، لآلاف السنين حتّى تطوّر الإنسان ولاقاه الله في منتصف الطريق وجاء بإبنه ليضحّي به من أجل الناس.
“جاء ليخدم لا ليُخدم” وليطبّق نظام: “وما من حبّ أعظم من هذا وهو أن يبذل الإنسان نفسه من أجل من يحبّ” وزالت أسطورة نضحّي بكلّ شيء وبشر وحياة من أجل الله، وأعلنت شريعة المحبّة، إذ ضحّى الله بذاته ليخلّص البشر والحجر وكلّ أنواع الحياة.
فهل يجوز اليوم في القرن الواحد والعشرين أن تستمرّ الصراعات والحروب الطائفيّة وينتشر الجهل والفقر والألم بإسم الله والدين؟
الله جاء لتكون لنا الحياة جديدة وكلّها عطاء ومحبّة وفرح. ولا يجوز ولا بأيّ حقّ ولا بإسم أي دين أو إله أن نقتل إنسانًا، أو نتعدّى على حقوق آخر. الله يحبّ الذين يضحّون بأنفسهم من أجل خلاص الآخرين. ولا يعرف إطلاقًا لا هنا ولا في الآخرة من يستعمل الآخرين ويضحّي بهم من أجل نفسه ومشاريعه. والأبشع من هذا كلّه أنّ المنظومة العالميّة تستعمل الطائفيّة في كلّ العالم لإشعال الفتن والحروب. سياسة “فرّق تسد” وترسيم الخرائط وبناء الجدران بين الشعوب كلّ ذلك يتم بإسم الحقّ وحماية الآخرين.
صرخة نطلقها اليوم: يا حكّام شعوب الأرض ومعاونيهم، الله والدين براء منكم، لا تضحّوا بالبشر وبالفقراء والمعذّبين بسبب مصالحكم ولا تجعلوا الناس حطبًا ووقودًا لحروبكم تحت مسمّيات “حروب الآلهة”. انفضحت خطتكم.
ويا أيّتها الشعوب المخدوعة إنتفضي واتركي النظام الخدّاع ورؤساء الأرض المجرمين، عودي إلى المعنى الحقيقيّ للأديان والطوائف، وهو أن نحبّ الآخرين ونضحّي بأنفسنا من أجلهم، لا أن نضحّي بهم من أجل العدم، من أجل أنانيّاتنا وغبائنا. فلنوقف الحروب الطائفيّة الداخليّة والخارجيّة منها، ولنمنع التحدّث باسم الدين والله، إلاّ لمن يعرف أنّ الله محبّة وتضحية. هو الذي ضحّى بإبنه لتكون لنا الحياة.
وللحديث صلة.