كتب سركيس نعوم في النهار بتاريخ 09 آذار 2022
بعد انتهاء زيارة “وزير خارجيّة” دولة #الفاتيكان#بول غالاغر قبل بضعة أسابيع خرجت الزميلة “الأخبار” بمعلومات استقتها من جهات محليّة جديّة فاجأت اللبنانيّين عموماً وفي مقدّمهم المسيحيّون “العلمانيّون” و”الإكليريكيّون” وفي مقدّمهم بكركي مقرّ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وهو الآن مار بشارة بطرس الراعي. تناولت المعلومات المُشار إليها كلاماً نسبته إلى المسؤول الفاتيكاني وفيه نوعٌ من الإشادة بـ”حزب الله” وحركته في الداخل اللبناني كما في الإقليم ودوره في العمل مع الطوائف والمذاهب الأخرى في البلاد من أجل وقف الانحدار السريع لها في اتّجاه هاوية يستحيل خروجها منها بعد ذلك. وأشارت بشيء من الإيجابيّة إلى لبنانيّة دوره الوطني وإلى ضرورة انخراطه في العمل اللبناني من جرّاء قدرته على الإسهام مع الأطراف الآخرين في إنقاذ البلاد.
ربّما لم تتحدّث “الأخبار” في حينه عن التقاء غالاغر شخصيّة مهمّة من “الحزب”. لكنّ الأكيد أنّ “الحزب” لم يُعلّق بدوره على هذا الخبر رغم أنّه لا بُدّ أن يكون سُرّ به، علماً بأنّه لا بُدّ أيضاً من أن يكون على اطّلاع بوسائل عدّة، على أجواء الفاتيكان حياله كما حيال الحال اللبنانيّة المأسويّة. لماذا إثارة هذا الموضوع الآن وبعد مغادرة غالاغر لبنان عائداً إلى مقرّه في الفاتيكان؟ لأنّ المعلومات التي توافرت أخيراً عند شخصيّات قريبة من الكرسي الرسولي وعلى اتّصال مستمرٍّ به لإبقائه مُطّلعاً على كلّ ما يجري، أشارت إلى صحّة المعلومات التي نشرتها “الأخبار” اليوميّة اللبنانيّة، إذ من شأن ذلك استمراره في مساعيه الوفاقيّة في لبنان التي يبذلها مع الأطراف الفاعلين فيه، كما مع الجهات الإقليميّة والدوليّة المعنيّه به والقادرة على تسهيل الحلول لأزماته المُتعدّدة كما على تعقيد التوصُّل إليها. طبعاً لم يُشِر أحد إلى لقاء بين غالاغر و”الحزب” ربّما لأنّ ذلك لا يزال سابقاً لأوانه. في هذا المجال تشير معلومات الشخصيّات نفسها إلى أنّ الفاتيكان يُعدُّ بكلّ هدوء ورويّة لعقد مؤتمر مسيحي – إسلامي في سوريا في وقت غير بعيد، وإلى أنّه يحظى بدعم مصر الدولة وشيخ الأزهر فيها. علماً بأنّه كان قد التقى به بل اجتمع معه في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة قبل أشهر عدّة وأصدرا معاً لدى انتهائه وثيقة تاريخيّة تدعو إلى العمل معاً وإلى وحدة المؤمنين وإلى الابتعاد عن التعصُّب والتشدُّد والتعاون معاً. كما تُشير الوثيقة إلى مواطن التقارب بين الديانتين الإسلام والمسيحيّة، وهي أكثر من مواطن التباعد والتباغض. هذا فضلاً عن تأييد الإمارات نفسها للمسعى الفاتيكاني المذكور. طبعاً لا يمكن التحدّث منذ الآن عن موعد المؤتمر المذكور في سوريا لأنّه لم يُحدَّد بعد ولن يُحدَّد إلّا بعد إنجاز كلّ التحضيرات له ضماناً لنجاحه. لعلَّ هذا الإنجاز الذي يُعدُّ له فضلاً عن النظرة المختلفة أحياناً عدّة بين الكرسيّ الرسولي والمرجعيّات السياسيّة المسيحيّة في لبنان والمرجعيّات المسيحيّة الأخرى التابعة له فيه وفي المنطقة، هو الذي دفع وزير خارجيّته غالاغر في أثناء زيارته لبنان إلى حضور مؤتمر مسيحي أُعدَّ له بعناية في المنطقة الواقعة شرق العاصمة بيروت، وفي الوقت نفسه إلى عدم الانخراط فيه كليّاً على نحو يجعل الفاتيكان مُساهماً في الإعداد له.
هل من معلومات أخرى عن ما يُعدُّ له الفاتيكان لمساعدة لبنان على نحوٍ مباشر لتخطّي انهياره الشامل ولوضعه على أوَّل سكّة التعافي الذي يبدو مستحيلاً الآن؟ تُشير المعلومات المتوافرة لدى الشخصيّات القريبة نفسها من الكرسيّ البابوي ولكن بعيداً من الأضواء إلى أنّه يدرس بعمقٍ وقوّة مع دولة فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون “المشكلة” أو القضيّة اللبنانيّة ويتشاوران في أفضل الطرق لإقناع قادة طوائف لبنان ومذاهبه وشعوبه بضرورة التواصل للتوصُّل الى حلول جديّة ونهائيّة لها. وتشير أيضاً إلى أن الدولتين المذكورتين باتتا مُقتنعتين بأنّ لبنان صار في حاجة إلى عقدٍ اجتماعي لا يُقسّمه، ولا يقضي على العيش المشترك فيه الذي كان سبب عزِّه وازدهاره قبل حروب 1975 وما تلاها. ذلك أنّ العقد الاجتماعي الذي أشرف على ولادته اللبنانيّة المجتمعان العربي والدولي عام 1989 لم يُحقّق النتائج المرجوّة لا لعيوب فيه، علماً بأنّه ليس خالياً منها، بل لعدم تطبيق اللبنانيّين له نصّاً وروحاً، ولإصرار سوريا التي كانت في لبنان على تطبيق مجتزأ له يُبقيها وصيّة على لبنان ويُبقيه في حاجة دائمة إليها.
تُشير المعلومات نفسها ثالثاً إلى أنّ الشعوب اللبنانيّة بدأ كلٌّ منها يتحدّث علانية عن العقد الاجتماعي الذي يُفضّله للبنان. فالمسيحيّون يطرحون اللامركزيّة الموسّعة جدّاً والماليّة وربّما الإنمائيّة، ويطرحون أيضاً الفيديراليّة وربّما يُفكِّر بعضهم في التقسيم انطلاقاً من مقولة اقتنع بها بعض قادتهم في الماضي هي: أنّ لبنان كلّما صغُرَ “اعتزّ” وكلّما كبُرَ اهتزّ. والشيعة يريدون عقداً اجتماعيّاً ووطنيّاً جديداً لأنّهم مُقتنعون ضمناً وجهاراً الآن بأنّهم لم ينالوا حقّهم السياسي إضافة إلى حقوق أخرى منذ تأسيس لبنان عام 1920 واستقلال دولته عام 1943. لكنّهم بعد اتّهام لبنانيّين آخرين لهم بالسعي إلى عقد جديد صاروا يؤكّدون تمسّكهم بالتسوية السياسيّة الحاليّة المُستندة إلى اتفاق الطائف. لكنّهم يؤكّدون انفتاحهم على البحث في عقد جديد أو صيغة جديدة إن كانت هذه رغبة الشعوب اللبنانيّة الأخرى.
في هذا المجال تلفت الشخصيّات القريبة من الكرسيّ الرسولي نفسها إلى أنّ رئيس فرنسا ماكرون دعا في أوّل زيارة له للبنان بعد انفجار بيروت أو تفجيره إلى عقدٍ وطنيٍّ جديد (Pacto National) في خطاب له في قصر الصنوبر مقرّ إقامة سفير بلاده في بيروت. طبعاً يحتاج المسعى البابوي – الفرنسي إلى مزيد من الوقت للتبلور ولا سيّما بعد الارتباك الكبير الذي سبّبه للعالم وفيه رئيس روسيا بوتين من جرّاء اجتياحه أوكرانيا. لكنّ تصميمهما على ذلك قويٌّ وكبير، والجهات الفاعلة في لبنان وفي مقدّمها “حزب الله” لا بُدّ من أن تُرحّب بذلك، ولا سيّما عندما يحين الأوان. وهو سيحين بعد نجاح “مفاوضات فيينا” في إحياء “الاتفاق النووي” بين الولايات المتّحدة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.