ترأس كاثوليكوس الارمن الارثوذكس لبيت كيليكيا آرام الاول كيشيشيان القداس الإلهي لراحة أنفس المليون ونصف المليون شهيد، في الذكرى المئوية للابادة، في كاثوليكوسية الارمن لبيت كيليكيا في انطلياس، في حضور وزراء ونواب وأعضاء من السلك الدبلوماسي وفاعليات دينية واجتماعية وحشد من المؤمنين.
ودشن الكاثوليكوس آرام الأول النصب التذكاري الذي أقيم تخليدا للمناسبة والذي يضم رفات بعض الشهداء الذين سقطوا ضحية الإبادة.
وألقى كلمة بعنوان “نطالب بالعدالة” قال فيها:”دانيال فاروجان الشاعر الأسطوري الذي اغتيل على يد السلطات العثمانية التركية في 1915 تنبأ قبل تصفيته عن مصير شعبه حين كتب: “أؤمن إيمانا عميقا أن الأجيال المقبلة ستبني فجرا جديدا للشعب الأرميني. إن تاريخ الشعب الأرميني في القرن الأخير تميزت بالمذابح والتهجير والموت والمعاناة: كما تميزت أيضا ببناء وتأهيل ونهوض المجتمع الأرميني أما النضال من أجل العدالة فقد بات جزء من حياة الشعب الأرميني في كل المجالات والأوجه”.
وقال: “اليوم، بعد مئة عام على الابادة الأرمينية، نقف أمام العالم وتركيا مؤكدين قيامتنا ونردد كلمات الشاعر بأن فجرا جديدا قد أشرقت في حياة الشعب الأرميني أينما وجد. لقد بنينا فجرا جديدا بانتصارنا في معركة “سارتاراباد” الحاسم ضد تركيا والتي أسست لإستقلال أرمينيا في عام 1918. وبنينا فجرا جديدا بقيمنا الثقافية والإنجازات العظيمة في كل مجالات حياة شعبنا. بنينا فجرا جديدا بإعادة الحرية لشعبنا في ناغورني كاراباغ عام 1991، وبنينا فجرا جديدا بإعلان استقلال أرمينيا الثاني عام 1991″.
أضاف: “إن الحكومة العثمانية التركية أرادت إبادة الشعب الأرميني وإقلاعه من عائلة الأمم وحزف أرمينيا من خريطة العالم.و اليوم، وبعد مئة عام تبقى أرمينيا على خريطة العالم باستقلال تام وللأمة الأرمينية مكانتها الخاصة في المجتمع الدولي. لم ننتصر فقط على الإبادة وننجو منها بل بإيماننا وعزمنا القويين ناضلنا من أجل حقوقنا العادلة. فكفاحنا من أجل العدالة، أي الأعتراف بالإبادة لم يكن سهلا. لقد واجهنا صعوبات جمة وعقبات مصيرية ولكن بقينا ملتزمين بقوة إرثنا المقدس ألا وهو أرث المليون ونصف المليون شهيد”.
وتابع: “نضالنا لم ينته بعد. إن مئوية الإبادة الأرمنية هي تذكير وتحد في آن معا لكل الأرمن لتجديد إلتزامهم بالعدالة وكرامة وحقوق الإنسان. نحن لا نعتبر تركيا عدونا ولكن لنا مطالب محقة وعادلة منها. إن أجداد تركيا الحالية أبادوا أجدادنا ضمن خطة مدروسة ومنفذة بمنهجية محترفة. لقد دمروا واستولوا على أديرتنا وكنائسنا والأملاك الفردية وأملاك أمتنا ومدارسنا ومؤسساتنا الوطنية والأجتماعية ومن ضمنها الأملاك الخاصة والأوقاف ودور العبادة والعلم والثقافة ومخطوطاتنا التي لا تقدر بالقيمة المادية. هذا ليس خيالا بل واقع تاريخي موثق بالبراهين والأدلة الدامغة. إن العدالة هي هبة من الله، أما أنتهاك العدالة فهي خطيئة تجاه الله. والعدالة أساس القانون الدولي. لا تستطيع تركيا بمزاياها الجيوسياسية والدبلوماسية والإقتصادية والمالية حجب الحقيقة التاريخية. ولا يستطيع القادة الأتراك إسكات صوت العدالة. نحن لا نطلب من تركيا التعزية، بل نطالبها بالإعتراف بالإبادة الأرمينية وإحقاق العدالة. من المهم جدا تسليط الضوء على حقيقة تاريخية بأن الإبادة ضد الشعب الأرميني قد خططت ونفذت من قبل السلطنة العثمانية التركية حسب المخطط الطوراني، أي الإيديولوجية الوطنية لحزب الإتحاد والترقي الحاكم آنذاك التي كانت تهدف إلى إزالة شعب بأكمله من أرضه والتخلص منه بإبادة جماعية. وهذا المشروع الطوراني كان يهدف إلى توحيد كل الشعوب والأتنيات التركية عرقيا وثقافيا في آسيا الوسطى والشرق الأدنى في إمبراطورية طورانية. وكان الشعب الأرميني أكثر الشعوب المستهدفة فالأرمن كانوا متجذرين في أرض كيليكيا وأرمينيا الغربية منذ القدم وكان منظما إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا. وقد إعتبر بنظر هذا الحزب (الأتحاد والترقي) عائقا لهذا المشروع، لذا قرر وخطط إزالته كليا من الوجود بإبادة جماعية ومجازر فظيعة. ولقد أقدمت الحكومة التركية آنذاك بتصفية الأرمن حسب المراحل التالية: جمع وإبادة كل المثقفين والقادة الروحيين والوطنيين، مجازر منظمة في مناطق التواجد الأرميني الكثيف، تهجير ونفي الشعب الأرميني بأكمله إلى صحاري دير الزور في سوريا لكي
يفنوا إما بالأمراض او المجاعة أو القتل”.
وتابع: “اليوم، تشوه تركيا الحقائق التاريخية بإضفاء الطابع الديني لمطالبتنا بالعدالة. ليس لقضيتنا أي علاقة بالدين. لقد عاش الأرمن مع المسلمين والعرب منذ القرن السابع ميلادي جنبا إلى جنب في مناطق تواجدهم بإحترام متبادل وتفاهم. نحن ممتنون لإخواننا العرب الذين فتحوا ديارهم أمام الناجين من الإبادة والمجازر وتقاسموا خبزهم وبيوتهم. أما العالم العربي، وبخاصة لبنان وسوريا، فأصبح مركزا للنهضة الأرمينية. نعرب عن أمتناننا للمنظمات الإنسانية والدينية الفرنسية والأميركية والسويسرية والدنماركية التي ساهمت بمختلف الوسائل لإنقاذ أبنائنا الناجين من المجازر. ونعرب عن أمتناننا وتقديرنا لجميع الحكومات والمنظمات التي إعترفت رسميا بالإبادة الأرمينية. ونتوقع من الدول المدافعة عن العدالة وحقوق الإنسان والحكومات التي لم تعترف بعد أن تدين جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الأرميني في أوائل القرن العشرين وتساند قضية شعبنا. إن مساندة المجتمع الدولي هي في غاية الأهمية بالنسبة لقضيتنا العادلة والمحقة”.
وختم:”نحن نرفض العنف والكراهية بكل أشكالها وأنواعها. نحن نؤمن بالسلام المبني على العدالة والتصالح بين الشعوب والأمم والأديان والدول المبنية على حقوق الإنسان والعدالة والتفاهم المتبادل والإحترام. هذه القيم والمبادىء تعزز نضال أمتنا واستمراريتها”.
وقد انطلقت مسيرة من الكاثوليكوسية باتجاه ملعب بلدية برج حمود، بدعوة من الاحزاب الأرمينية الثلاثة الهنشاك والطاشناق والرمغافار وتضم حشدا من الفاعليات السياسية اللبنانية والمواطنين، على أن تستتبع بمهرجان خطابي في الملعب ، تلقى خلاله كلمات باللغة العربية للأحزاب الثلاثة.