أحيت جامعة الروح القدس- الكسليك يوم الأبجدية، في لقاء نظمه مكتب نائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية، بالتعاون مع لجنة إحياء الأبجدية، في حضور رئيس اللجنة النائب نعمة الله أبي نصر، النائب الأول لرئيس الجامعة الأب البروفسور يوحنا عيقيقي، نائبة رئيس الجامعة للشؤون الثقافية البروفسورة هدى نعمة، عميد كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في الجامعة الأب البروفسور جان رعيدي، عميدة كلية الآداب ومعهد الدكتوراه في الجامعة البروفسورة نيكول شلهوب، الأب جان مارون مغامس، مدير مركز دراسات وثقافات أميركا اللاتينية في الجامعة الدكتور روبرتو خطلب، وعدد من الأساتذة والطلاب والمهتمين.
نعمة
بعد النشيد الوطني اللبناني، ألقت نائبة رئيس الجامعة للشؤون الثقافية كلمة أشارت فيها إلى أن هذا اللقاء يهدف إلى “تذكير اللبنانيين أولا، وبلدان الشرق الأوسط ثانيا والعالم، إذا جاز التعبير، أن الحرف المكتوب خرج من شواطئنا، من سواحلنا، من أجداد لنا تركوا للعالم إمكانية كتابة تاريخهم وطرق عيشهم وتطويرهم، إمكانية التعريف عن نفسهم، وإمكانية الإبداع في التفنن اللغوي… إلى أن صارت اللغة في كل أرض، وعند كل شعب، معيار إنتماء إلى حضارة، وكان التنوع الغني الذي شكل المكونات الاجتماعية المتعددة في إنسانية كبرى”.
وقالت: “كان من الضروري إحياء يوم الأبجدية لنتذكر أنه بسبب هذه الأبجدية تغير وجه العالم، فخرج من المحكي وتجسد في التاريخ، وكيف الزمن على وقع الأبجدية… التي مع مرور العصور انتقلت إلى عالم التكنولوجيا الكاسحة التي تستخدم بدورها أبجدية أجدادنا…”.
وخلصت إلى القول: “وإن كنا مؤمنين أن المجد ليس بالوقوف على الأطلال بل بالسعي المستدام إلى التقدم، إلا أننا، وسط بيئة هوجاء من الأصولية الزاحفة، ووسط عولمة بربرية كاسحة هي أيضا في سبيل القضاء على التنوع خدمة للأحادية، فإننا نرى نفسنا مدعوين لنبش الماضي المجيد كي ننهل منه هذه القدرة وهذه الإرادة وهذا الإيمان أن الغد هو الآتي، وأن اليوم الآتي هو الأفضل… وإيمانا منا أن الراسخ والمتجذر لا يموت، فتعالوا معا لنحيي يوما يذكي فينا النشاط والحيوية ويعيد لنا صورة مميزة عن ذاتنا الوطنية والإقليمية”.
أبو شقرا
وألقى الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية الدكتور رمزي أبو شقرا مداخلة بعنوان: “اللغة هي أيضا وطن”، تحدث فيها عن المسافة بين فصيح اللغة ومحكياتها، وقال: “ربما من الأفضل أن أقول عن مستويات الفصاحة في اللغة، لأن اللغة مستويات. أنا شخصيا لا استعمل فيها كلمة الفصحى لقناعات لسانية بصعوبة إدراك ذلك المستوى، وقلما استعمل فيها كلمات تشير إلى تراتبية في القيمة، ككلمة العامية، حين يكون المقصود أن العامية هي كلام العامة وأن أهل الفصيح من الخاصة”.
أضاف: “إن الدفاع عن العربية بأن نذكر أننا نمتلك قدرة على التواصل مع ملايين من الناس يتحدثون باللغة العربية، فهي لسان مشترك، بصرف النظر عن الانتماءات القومية وعن المحاولات غير العلمية لمصادرة من هنا، أو لرفض من هناك. هذا الأمر لا يعنيني اليوم أمامكم. وما يعنيني أني إذا تكلمت باللغة العربية تمكنت من التوصيل ومن التفاهم ومن إيصال الفكر والمعنى إلى سكان رقعة واسعة وشاسعة لا تزال حتى اليوم محط أنظار الدنيا إجلالا لتاريخها أو طمعا بثرواتها”.
وتابع: “العربية في خطر إذا اقتصرت على الكتب القديمة الموجودة على رفوف المكتبات. والعربية في خطر إذا لم يعد لنا القدرة على إحيائها إلا عبر التذكير بقداستها. أوليست العربية مركبا حضاريا يشق بالناطقين بالضاد إلى مستقبل ملؤه التحديات من كل نوع؟”.
وشدد على أن المطلوب “أن نفهم أنها لغة، بمعنى أنها كائن حي، هي تعيش بقدر ما نعيش نحن”.
زيدان
ثم كانت مداخلة للصحافي والمؤرخ أسعد زيدان بعنوان “ألف كلمة عربية في اللغة البرتغالية”، أوضح فيها أن “سبب وصول الكلمات العربية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية عامة، وإلى بلاد البرتغال خاصة، ومنها إلى البرازيل يعود لسببين، الأول هو الفتح العربي لبلاد الأندلس الذي ترك في اللغتين الإسبانية والبرتغالية آلاف الكلمات والأسماء العربية، والسبب الثاني هو وصول قوافل المغتربين وأكثرهم من اللبنانيين الذين انتشروا في أصقاع البلاد البرازيلية منذ عقود السبعينيات من القرن التاسع عشر إلى اليوم، وزرعوا وما زالوا يزرعون كلمات لغتهم العربية في قاموس لغة البرازيل البرتغالية”.
وقال: “أما جهد المغتربين في إدخال الكلمات العربية للبرتغالية البرازيلية فمعظمه لم يحدث بواسطة المغتربين المثقفين، وهم أقلية، بل كان من عامة المغتربين الذين كانوا يتكلمون لغة البرازيليين بلهجاتهم القروية اللبنانية ويترجمون أمثالنا الشعبية التي تلاقي إعجاب لدى البرازيليين. وبلغ زرع الكلمات العربية في اللغة البرتغالية ألف كلمة ونيف فهناك في البرتغال لا تزال أسماء مدن وقرى ونواحٍ أسماؤها عربية، حملها البرتغاليون إلى البرازيل”.
أبي نصر
وتحدث النائب أبي نصر معتبرا أن “لبنان هو الدولة الوحيدة التي لها الحق بإحياء عيد الأبجدية لأن الحرف، الذي هو وسيلة التبادل والتفاهم والتخاطب بين الشعوب، قد اخترعه الشعب الكنعاني الفينيقي اللبناني الذي عاش على هذه الشواطئ ونشر الحرف في أوروبا والعالم أجمع”.
وقال: “إستطاع الفينيقيون بواسطة هذا الحرف أن يبنوا مستعمرات لهم في جميع مناطق البحر الأبيض المتوسط، ويقال أنهم وصلوا إلى البرازيل”.
وأردف قائلا: “نادرا ما سمعنا الدولة اللبنانية أو الشعب اللبناني يتحدثون عن هذا المجد العظيم. من هنا، راودتني فكرة إحياء يوم الأبجدية. قدمت مشروعي إلى مجلس النواب وصدر القانون الذي صادق عليه 128 نائبا مكرسا يوم 11 آذار يوم الأبجدية. تمت المظاهرة الثقافية الأولى في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان في جبيل حيث جرى دعوة مفكر أو شاعر من كل عاصمة عربية. كما حضرنا كتيبا يضم صورة لناووس أحيرام ونصا من أقدم كتابة في العالم إضافة إلى مقالين لوزيري الثقافة والتربية والتعليم العالي آنذاك غابي ليون وحسان دياب، ووزعنا أكثر من 150 ألف نسخة منه على المدارس الرسمية في الجنوب وعكار والبقاع وجبل لبنان لتعريف شبابنا على هذا التاريخ والتراث”.
وختاما، أعلن أبي نصر أنه يجري حاليا، دراسة فكرة جديدة في لجنة الإدارة والعدل تقضي بإعلان “يوم المجاعة الكبرى”، وقال: “هذه المجاعة التي حصلت خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918، عندما مات ثلث الشعب اللبناني من المجاعة، والثلث الآخر هاجر بأعداد كبيرة، وثلث بقي وصمد. إذا، نحن جميعا، من دون أي استثناء، أحفاد هذا الثلث الذي صمد. انطلاقا من هنا، جاءت هذه الفكرة كعربون تقدير ورد الجميل لهم”.
المصري
واختتم اللقاء بعرض مسرحي منفرد للمثل الكوميدي أدواردو المصري، وهو برازيلي من أصول لبنانية، بعنوان “اللبنانييون يحملون جذورهم معهم”. وجسد في عرضه العودة إلى الجذور والصعوبات والعوائق التي تواجه المغترب في بلاد الغربة إضافة إلى الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين البلد الأم والبلد المضيف، كما جسد التعبير عن الحنين إلى الجذور وإلى الوطن الأم، وعن المعاناة بين الإقامة في وطن المهجر والشوق إلى وطن الولاء والانتماء.
وطنية