“مكان مألوف” هو عنوان معرض فوتوغرافي لأربعة مصورين من جيل جديد واحد، ميريم بولس، شاهي ارزومانيان، لارا تابت، وإلسي حداد، في “غاليري جانين ربيز”، الروشة (إلى 18 آب 2016). هؤلاء الأربعة يستحقون الاهتمام بعدما بدأوا يشاركون في معارض المدينة بطموحاتهم الكبيرة.
يتفرد كل منهم في طريقة تناوله “المكان المألوف” العام، وأسلوب معالجته له ونقله او كشف اسراره، وكيف تخطف عينه اللحظات التي تقترب الى توقعاته المتخيلة المرفوعة الى رتبة الحدث.
ميريم بولس
تحدث احيانا حالات تطابق بين الكابس في لحظة ما على العدسة وبين الذي يرسل الدعاء للدخول في خانة اللحظة التي تسجل إلى الابد عبوس وجه منغلق على ذاته وهو يواجه الفراغ البادي خلفه. هذا ما تحمله بشيء من الحنان ميريم بولس التي تركز على الشكل والمظهر والموقع والحالة والوقت، حيث يصبح النموذج المصوّر رسالة تعارف عميق لا يتوقع حدوث تفهم سريع ومباشر بل يدعو الى التفهم وربما التطابق على رغم المسافات والعمر والمزاج.
بولس التي عرضت منذ مدة مع شقيقتها ووالدتها (ميشيل ستنشوفسكي) مشروعا يسبح في بحر الصور المرسومة الاخاذة، تروي في فوتوغرافياتها حالات من الوحدة لدى اشخاص يقعون في اماكن تذكّر بالمسافات التي تبتلعهم وتدخلهم في المجهول لانهم مهيأون للوشوشة مع ذواتهم ولم يخلقوا آخر ليتقاسموا وإياه الرحلة الحياتية المكتنزة بالذكريات الفرحة. اعتقد ان هذه الصبية اذا استمرت في بحثها عن قصص الناس في عيونهم فستصل بعيدا اذا منحت نفسها الوقت اللازم قبل ان تجتازها عدوى الوصول الى القمة قبل النضج حقا عمراً وتجربة.
شاهي أرزومانيان
يقنعني هذا الآتي من الفراغ بالنسبة لي. صوره مقلقة. يبحث عن اسطورة تعود الى حكايات مليئة بالسحر. يتأرجح عند حدود الواقع النائم على عتبة الواقع ويكلف الطبيعي القيام بتصرفات فوق القدرة العادية لانه يريد ان تتأرجح اشياؤه بين المتوقع والزائل بلمحة بصر. عصافيره تأتي بالكثير من الوعود في تجدد الارض والانسان والمستقبل. في صوره لا يشعر المتلقي بأنه يلهث خلف المواضيع التي تبهر بل نجده مرتاحا في تصرفاته وكأن العمر كله يقاسمه الانتظار والهجوم فجأة على الصورة التي تكتمل امام عينيه، فيخطفها ويسجلها ويسمح لنا بالاقتراب منها في محاولة اكتشاف خباياها. انه حقا يخطف الحياة في لحظات لا ينتبه اليها صاحب الموضوع المثار أمام الأعين الفضولية والعابرة واقعا او افتراضا في افق المفاجآت الاتية ربما. لا يركض خلف الواقع بل يخترعه ويتلاعب بتحولاته ومزاياه محافظا على جمالياته متخليا عما يقربها من الواقع السهل بعد ان يكون اختار المنطقة التي تثير عينه وربما مشاعره.
لارا تابت
لارا تابت من المصوّرين الاكثر اقترابا من الناس في يومياتهم العادية حيث الحياة النعمة التي يتمتع بها الانسان لانه يعيش بشكل مقبول وبسيط فيحب ويتقبل عطاءات الحياة عارفاً انها من حقه. الاشخاص الذين تصورهم ليسوا من النماذج الذين يفلسفون كل شيء بل يرحبون بها بحركات عادية ومباشرة وبسيطة.
تراقب وتفاجئ من تختارهم عدستها فتأتي النتيجة قريبة من الواقع لا تثير المشاكل ولا الكوارث. في يوميات مواضيعها شيء من التلاقي مع نماذجها الانسانية التي تبدو كأنها جميعها مألوفة الشكل والحركة والمهنة والتيه احيانا من اجل اختيار مواضيع خارجة عن المعقول وفيها تحديات فريدة في خطف اشكالها وضبطها داخل صورة تظهر انها ارتجالية، المطلوب منها فقط الظهور في عفويتها وطبيعتها من دون تكلف وادعاءات مزعجة وثقيلة.
إلسي حداد
تحب إلسي حداد المساحات والسهول والفسحات الكبيرة لانها تبحث عن المميز. لا نشعر بأنها في عجلة من امرها. مواضيعها لا نشاهدها في يومياتنا، ومعروضاتها تغرق في الكثير من السواد، والمشاهد هي في غالبيتها مموهة في طبيعتها وقياساتها وتلاقيها. كأن المصورة تبحث عن تمايز لا تنجح في اقناعنا به ولا سيما ان العتمة تزعج وتقف عائقا بينها وبيننا.
لا اعرف الى اي حد مشروع تقديم هؤلاء الشباب معاً يستطيع ان يبرز الفرق في مستوى الفوتوغرافيات التي تحتاج ربما إلى المزيد من الاختبار والنضج.
النهار