لا شك أننا في حالة انتظار لعيد الميلاد. فكل شيء يدل على هذا الإنتظار، من إضاءة شجرة الميلاد وتزين الشوارع والحملات الإعلانية الى الصلوات الخاصة بالمناسبة الخ. لكن يبقى هناك أمورا أساسية وجب أن تذكي فينا معنى الانتظار للعيد، نضعها في نقاط أربع، وذلك إنطلاقا من مشهد البيان ليوسف(راجع متى ١/ ١٨- ٢٥).
١- فلنتعلم الثقة : بينما كانت تستعد مريم لولادة المخلص، كان يوسف خطيبها في حالة شك واضطراب بسبب حبلها العجائبي (راجع مت١/ ١٨- ١٩). ولكن ظلت مريم راسخة في قناعاتها بالرغم من شك خطيبها لا بل زادت ثقتها بالله ( القديسة تريزيا للطفل يسوع)، فصارت مريم قدوة ليوسف ومثال لكل أب ورجل. فلتتعلم الزوجة من مريم العذراء كيفية الثبات على الحق وعدم الإستسلام لأي ضغوط خارجية تمارس عليها، لاسيما عندما تواجه صعوبات وضغوطات العالم الرافض لثقافة الحياة- الإنجاب. وبدوره على الرجل- زوجها أن يتعلم من إختبار القديس يوسف كيف يدافع عن هبة الله المجانية – الطفل لا العكس. فمن يحب يثق، لأن الحب المؤسس على الحقيقة يجذب العقل نحو الخير.
2- مريم ثورة حب في حياة يوسف: إن حدث البيان حقق في نفس يوسف – الرجل إنقلابا على ذاته طال كل حياته وطريقة إيمانه وتصرفاته، فحدث فيه ما يسمى الولادة الجديدة. فعندما أدخل مريم إلى بيته تغير كل المشهد (راجع مت ١/ ٢٤). فلندخل مريم الى حياتنا ولتحدث فينا ثورة مريمية بإمتياز تجعلنا محررين من عبودية الانطوائية والعزلة والأنا، ثورة تفتح كياننا على اللقاء مع الآخر. فليتعلم الزوج – الرجل كيف يجدد علاقته مع زوجته فيدخلها من جديد إلى بيته- قلبه، لأن الحب لا يقصي الحب.
3- من مشكك إلى رجل الإيمان ورجل المهمات الصعبة: تعلم يوسف حقيقة التدبير من خلال مدرسة مريم التي علمته كيف يثق ويغامر ويستسلم. فعرف بنجاحه الباهر مواجهة الصعاب برجاء واتكال واثق على تدبير وعناية الله (راجع مت ٢/ ١٣- ١٥). فلنتعلم من يوسف كيف نتمرس في تدبير حياتنا وأسرتنا، واضعين حياتنا بكليتها في تصرف العناية الإلهية، نابذين من علاقاتنا العائلية والأسرية والكنسية كافة أشكال ثقافة القلق والخوف والإقصاء والكآبة، واثقين أن الاقتداء بالقديس يوسف، يجنب عائلاتنا شراسة ثقافة الاستهلاك والتكديس. فمن يؤمن يعرف كيف يقود حياته.
4- يوسف أيقونة الصمت العامل: يوسف يتأمل في مريم، يسمع صوتها بحب ويعمل بفرح واندهاش، إنه الصمت المتكلم والعامل ( راجع مت ١/ ٢٤). ففي عالم تتكاثر فيه أوبئة الكلام الفارغ والخسيس، نتعلم من يوسف معنى الصمت الحقيقي أي الامتلاء بكلمة الله الفاعلة التي تجذبنا نحو العمانوئيل – الله معنا (راجع مت ١/ ٢٣). فمن ينصت الى الكلمة يتحول الى صوت ممتلىء بالأفعال الحية.
خلاصة روحية
يوسف ومريم المثال السخي للقاء الإنسانية مع الله. مريم حواء الجديدة، إلتقت بالفرح، أحبته وآمنت به. يوسف رجل تعلم من مريم- المرأة كيف يلتقي بالله فتحول من مشكك- حزين الى فرح وأمين. فلنتعلم منهما ان الحب النبيل يقوي الثقة بالآخر، وأن حضور العذراء في حياتنا هو ثورة حب بإمتياز، وان التدبير المقدس المبني على حياة وإختبارات القديسين يقود عائلاتنا نحو المراعي الخصبة.
والايمان يتحقق في أعمال حب تعبر عن ذات الشخص وحقيقته وهويته، وثقته بالله العمانوئيل.
زينيت