سجلت دراسة أعدها قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الاميركية وجمعية “إمبرايس” التابعة له، ارتفاعاً ملحوظاً لحالات الوفيات عن طريق الإنتحار في لبنان بنسبة 29 في المئة بين العامين 2013 و 2014 (70 في المئة منهم من اللبنانيين و30 في المئة من جنسيات أخرى).
أكدت المعالجة النفسية وهي من المؤسسين لجمعية” “إمبرايس” في الجامعة الاميركية في بيروت ميا عطوي لـ”النهار”، أن “الدراسة إستندت إلى محاضر قوى الأمن الداخلي، والتي سجلت بين العامين 2008 و 2013 وفاة ما يقارب الـ100 شخص في العام الواحد بالإنتحار، بينما إرتفعت نسبة هذه الحالات عام 2014 ليصبح عدد الوفيات عن طريق الإنتحار في لبنان 143 شخصاً في العام الواحد معظمهم من الرجال (مقابل كل رجلين تنتحر إمرأة)، ويراوح معدل أعمارهم بين 25 و40 عاماً”.
من جهته، لفت الطبيب في قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الاميركية الدكتور جوزف خوري لـ”النهار” أن” هذه الإحصاءات، التي اعتمدت عليها الدراسة، لا تعكس الصورة الحقيقية للواقع، لأن ثمة حالات إنتحار أو محاولة إنتحار تبقى قيد الكتمان، حيث تعمد العائلة في بعض الأحيان إلى تغيير إفادة الوفاة الحقيقية بسبب إرتباطها بمعتقدات دينية أو اجتماعية خاصة بها”. ورأى أن الأعداد تميل الى الإرتفاع في السنة 2016 في غياب أي مبادرة أو حملة للحد من هذه الحالات”. لكنه أكد أن “لبنان يتساوى في نسبة الوفيات عن طريق الإنتحار مع محيطه العربي”.
ورداً على سؤال عن تأثير البطالة، الفقر والعلاقات الزوجية الصعبة على قرار أي شخص بالانتحار، قال: “أثبتت دراسات منظمة الصحة العالمية الصادرة عام 2014 أن كل من حاول الإنتحار أو قام به يعاني من واحد أو أكثر من إضطراب نفسي قابل للعلاج، مثل الإكتئاب، الفصام واضطراب ثنائي القطب وسواه”. وأكد أنه “لا يمكن أن نقول أن الفقير يقدم على الإنتحار أكثر من الغني لأن هذا الموضوع يطال أشخاصاً من طبقات اجتماعية مختلفة يعيشون ظروفاً حياتية محددة لها تأثير مباشر على كل حالة”.
واقترح متابعة نفسية “لأي شخص عمد أحد المقربين من عائلته على الإنتحار من أجل إبعاد أي خطر لتكرار التجربة معه”، وقال: “علينا أن نعي تماماً أن الإنتحار يمكن الوقاية منه من خلال تشخيص مبكر للمرض النفسي ومتابعة العلاج مع الطبيب النفسي للوصول إلى نتيجة فعالة”. ويقول أن تسعين في المئة من حالات الإنتحار تعود لمرض نفسي يمكن علاجه، وتسعين في المئة من حالات الإنتحار تعود أيضاً لمرض نفسي يمكن علاجه. ويؤمن العلاج المبكر فرصاً لبعض المرضى بألا يخسروا عملهم مثلاً ويعطيهم الأمل بنتائج أفضل لحياتهم المستقبلية”.
وعن صعوبة توفير تكاليف جلسات العلاج النفسي الباهظة لكثير من المرضى اللبنانيين قال: “تساهم وزارة الصحة العامة وأيضاً الضمان الإجتماعي في تغطية بعض نفقات هذا العلاج. أما شركات التأمين الخاصة فترفض تغطية مصاريف العلاج أو العمليات الإستشفائية النفسية”. وأكد أننا “نحاول وصف أدوية تناسب مدخول المريض لأننا نتوق إلى متابعة العلاج للوصول إلى نتيجة أفضل”.
وفي ما يتعلق بجمعية “إمبرايس”، أكدت عطوي أن الجمعية رصدت في صندوقها دعماً مالياً لبعض المرضى النفسيين الذين يحتاجون الى دعم مالي لمتابعة علاجهم داخل مستشفى الجامعة الأميركية بسبب إصابتهم بحالات صعبة أو اكتئاب شديد مثلاً”. وقالت: “ندرس الحالة الاجتماعية للمريض النفسي الذي يحتاج إلى دعم مالي عند دخوله للعلاج الى المستشفى”. وأعلنت أننا “تمكننا عام 2013 من دعم 12 شخصاً داخل المستشفى بمبلغ إجمالي وصل إلى 14 ألف دولار أميركي”.
وشددت على أهمية الحملة عن التوعية على الانتحار التي تنظمها الجمعية في شهر أيلول. وقد شارك في المسيرة التي نظمناها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور على كورنيش البحر”. ولفتت الى أن الجمعية ستطلق في ربيع 2017 خطاً ساخناً يستقبل اتصالات كل من يعانون من أفكار إنتحارية أو كل من يحتاج لمساعدة طارئة أو من يعاني ازمة نفسية معينة”.
يذكر أن “تقديرات منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أنه توفي عام 2014 ما يزيد عن 800 ألف نسمة عن طريق الإنتحار، وسجل وفاة شخص واحد كل 40 ثانية تقريباً. وبينت الدراسة أنه مقابل كل شخص توفي عن طريق الإنتحار سجل أكثر من 20 شخصاً حاولوا الإنتحار،و الذي “يحتل المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب في الفئة العمرية بين 15 و29 عاماً.
روزيت فاضل
النهار