كتب أحد المغرّدين والأرجح أنه كان غاضباً، أنه بعد انتصار الثوريين في سوريا فإنهم سيقومون بطرد الأرمن منها إلى المكان الذي أتوا منه جزاء عدم تعاونهم معهم الخ… ولكن المغرّد لم يحدد الى أي جهة سيطردونهم، حيث إنهم أولاد سوريا ومولودون فيها أباً عن جد، وكانوا دائماً مواطنين صالحين، فإلى أين سيطردون؟ وبأي حق أصيل؟!
في جلسة مع أحد أصدقائي وهو مسلم سني، ومعارض للنظام قال لي أنه يرغب في تذكيري بما كان غائباً عني، حيث قال: لماذا يا “كارو” أنتم اليوم مع العلويين برغم أن السنة هم الذين سبق وأن آووكم وحموكم عند قدومكم بلاد الشام أيام النزوح (سفربرلك) وقدموا لكم المساعدة والعون الخ؟ لم افاجأ بالسؤال لأنني كنت قد سمعت هذه المغالطة من غيره أيضاً. فقلت له: نحن لم يندرج في ثقافتنا الاجتماعية التمييز بين من يكون العلوي والسني، ومن يكون الكردي أو الدرزي أو الكلداني أو غيرهم. وحيث أن موقف الشعب السوري هو انعكاس لموقف الدولة والحكومة السورية التي كانت متعاطفة معنا في محنتنا، فإننا إذاً نردّ الجميل أصولاً وأخلاقياً للشعب والحكومة والدولة السورية، وتجسيداً لذلك بنينا نصباً تذكارياً رائعاً في أحسن موقع في العاصمة الأرمنية يريفان سميناه “نصب العرفان بالجميل من الشعب الارمني الى الشعب العربي”.
وأضفت: نحن لم ولن نتدخل في شؤون الدولة التي نعيش فيها على أي مستوى كان ما عدا الإيجابي والسلمي والبناء (وهذا معروف عنا اينما حللنا) لا يلومنا أحد ولا يفتري علينا بأي تهمة مصطنعة جائرة. نحن لسنا معصومين من الخطأ ولم ندّعِ المثالية. مثلنا مثلكم نخطئ ونصيب ولنا خصوصيتنا وظروفنا الخاصة. وننتظر من اخوتنا العرب أن لا يتعدوا الأصول ونكران العشرة واهدارجميل السوابق وأعني هنا التغريدات والمقالات السخيفة المغرضة التي نقرأها أو نسمعها من وسائل الأعلام والتواصل الإجتماعي التي تكثر كلما زادت أحوال المعيشة سوءاً .
المعروف أننا حرفيون مهرة، لكن هناك أكثر من ذلك، أذكر مثالاً لا حصراً، إنجازات الدكتور روبير جبجيان الرائد في مجال علاج أمراض العيون، والذي عالج 42 الف مريض، وأنه أوجد لقاحاً لعلاج الحبة الحلبية تلك البقعة البشعة التي كانت تشوّه وجوه أطفال حلب الجميلة، وإنه هو الذي طوّر وخفّف من آثار مرض التراخوما في منطقة حلب وريفها المستشري كوباء في حينه ، بالاضافة الى أنه أول من أنشأ مدرسة نموذجية باسم ( أبو العلاء المعري ) للعميان في حلب سنة 1955 فما بالك بعشرات الشخصيات المشابهة مثل أصحاب شركة يعقوبيان لمقاولات الطرق وصوامع الحبوب ومستشفى الطونيان وتجار المصوغات الذهبية وصناعة الجلود ومزارعون مطورون (عائلة نظاريان) بالجزيرة شمال شرق سوريا والمسكنة وراس العين والقامشلي. وللتذكير فإنّ خمسة من أصل أحد عشر لاعباً من المنتخب الوطني السوري لكرة القدم كانوا من الأرمن، وإن اللاعب هامازاسب كان مارادونا زمانه في أربعينيات القرن الماضي، وإن نادي اليرموك (هومنتمن) الارمني كان بطل سوريا مراراً .
كما أنهم ساهموا في اقتصاد الدولة، وبالاخص في مجال الصناعة، فهم كانوا من الأوائل الذين جلبوا واستخدموا الاجهزة الميكانيكية مثل المخارط والمقاشط، وبدء إنتاج المعدات الصناعية الإنتاجية مثل مكائن الغزل والنسيج وتشكيل المعادن والآلات الزراعية وغيرها التي وفّرت مليارات الدولارات من العملة الصعبة للدولة السورية. والجدير بالذكر أيضاً أنّ الارمن لهم حضور في النسيج الاجتماعي العربي السوري العام وفي مجالات الفنون الجميلة والموسيقى والمسرح والرياضة والادب والطب الخ…
كما أن الارمن لهم بعض الخصال الحميدة المشهودة مثل حب العمل الذي يقومون به وإتقانه وحبهم الفطري للتجديد، وهذا ليس تميز جيني خلقي، بل تحصيل واجتهاد مكتسب وليد الحاجة، بالإضافة الى هذا فإنه معروف على مر التاريخ بأنّ الأقليات الموجودة في بلد ما يتميزون عادةً باختصاصهم في بعض المجالات الفريدة التي تميزهم في المحيط الذي يعيشون فيه، وهناك أمثلة عديدة قائمة وذلك يؤمن لهم نوع من الاتحاد بين أفراد الأقلية أو الطائفة المقصودة ولحفظ النوع والبقاء .
أما ما يخص مقولة بأن الأرمن رفعوا السلاح فهذا ذو شقين، فإذا كان المقصود منه رفع السلاح ضد العدو الصهيوني في جميع الحروب التي خاضها الجيش السوري كمتطوعين أو مجندين للخدمة الالزامية فهذا صحيح ولنا الشرف، أما إذا كان المقصود بانهم رفعوا السلاح في وجه جيرانهم فهذا إتهام باطل وافتراء فاضح ومخزٍ ليس له صحة من الأساس، وإن أي سلاح موجود الآن في يد أي فرد من أفراد الشعب الارمني وبهذه الظروف ما هو الإ سلاح لحماية النفس والعرض ومكتسبات مادية ومعنوية وعقائدية ثرية موروثة لهم منذ قرون من الآباء والأجداد، وهذا حق شرعي لا نلام من أجله ولا يعاب علينا وهذا أضعف الايمان.
كيراكوس قيومجيان – الكويت
النهار