31 كانون الأول 2015
لم يتحقق شيء من مطالب المسيحيين لتحقيق المشاركة والمناصفة خلال السنة 2015، لا بل تراجعت أحوالهم على مستوى التوازن السياسي والطائفي في البلاد من خلال التمادي في فراغ موقع رئاسة الجمهورية، وحتى المتصدين لحل هذه الأزمة ترشيحاً وحضاً على الانتخاب يتهربون من ضرورة وضع قانون عادل للانتخابات النيابية يحقق التمثيل الحقيقي للمسيحيين في الدولة.
تمسك المسيحيين على ضفتي 8 و 14 آذار بتحالفاتهم مع “السنية السياسية”و”الشيعية السياسية” على ما قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بالأمس أمام محازبيه مؤكداً تشبثه بحركة 14 آذار، اضافة الى تمسك حزب الكتائب بهذا التحالف واصراره على المشاركة على مستوى رفيع في اجتماعات “بيت الوسط”، على رغم كل الانتقادات ومواقف التمايز التي يصر الصيفي على اعلانها بمناسبة او بدونها ضد 14 آذار، في موازاة اصرار “التيار الوطني الحر” على حفظ علاقاته بقوى 8 آذار على رغم كل الشوائب والتناقض السافر في المصالح والاهداف في أحيان كثيرة وعند مفاصل أساسية، انما يؤشر الى مدى ضعف في الوضع السياسي، بحيث لم يعد اكبر الزعماء المسيحيين قادراً على طلب تعزيز حراسته الخاصة وزيادة عناصرها او طلب تجهيز رجال الأمن المفرزين لحمايته بالسلاح الحديث، فكيف يمكن الطلب اليه العمل على اصدار قانون انتخاب “يعيد الحق لأصحابه”، ويؤمن مبدأ الشركة والمناصفة الحقيقية، المهدورة منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف ؟
لم يكف المسيحيون بكل فئاتهم وهيئاتهم خلال العام الفائت 2015 عن المطالبة بحقوقهم ومعاملتهم بالمساواة على مثال مواطنيهم الآخرين، لكن غالبية ما طالبوا به ذهبت هباءً، ولولا المساواة في عديد الأجهزة الأمنية الرسمية، مثل قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وعمليات التطويع التي تم التعامل معها بمعايير التوازن المذهبي والطائفي الدقيقة، لأمكن القول ان لا احترام لمبدأ المناصفة في الادارات العامة، وأبرزها في نتائج امتحانات الاساتذة الثانويين، والمباريات التي تجري في مجلس الخدمة المدنية وغالبا ما تكون على حساب المتقدمين المسيحيين، الذين لا يجدون تفسيراً لفشلهم في تلك الامتحانات ونجاحهم في امتحانات أرقى الجامعات والمعاهد اللبنانية والعالمية.
بح صوت “حركة الارض” خلال العام الفائت بمطالبة مؤسسات الدولة التنفيذية والاشتراعية العمل على اصدار قانون او قوانين تمنع الفرز الطائفي والسكاني وتحد من عمليات بيع الاراضي بواسطة اموال مشبوهة تأتي في اكياس وحقائب سوداء مجهولة – معروفة المصدر. كذلك لم تلق آذاناً صاغية المطالبة باعادة العمل بالافادة البلدية وحق الشفعة التي كان الرئيس الراحل رفيق الحريري قد ألغاها مطلع العام 2000 من خلال ادراجها في طيات مشروع الموازنة العامة، وذلك على رغم أهمية هذه الافادة في تمكين البلديات من الاطلاع على ما يجري في مناطقها من عمليات عقارية سواء اكانت مشبوهة ام “شريفة المقاصد”.
ويبقى قانون الانتخابات النيابية، مثار الجدل الكبير ومطلب المسيحيين التاريخي، والذي يشكل المصيدة او الكماشة التي يتم من خلالها القبض على مصير القرار السياسي والقانوني والاداري لدى نصف النواب المسيحيين، فحتى اليوم لا مشروع واضحاً لدى الاحزاب المسيحية الرئيسية، واعلان المرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجيه ان لا دور لرئاسة الجمهورية في اعداد قانون الانتخابات، انما يشكل خللاً كبيراً في معادلة القرار الوطني ويفرغ موقع الرئاسة الاولى من أي جدوى أو قيمة عملانية على مستوى ادارة وسياسة البلاد، في مقابل اندفاعة الرئاستين الثانية والثالثة ودورهما الحاسم في اعتماد اي مشروع قانون انتخابات والاقتراع عليه وتمريره والسير به لاحقاً الى صناديق الاقتراع. ويكفي “تيار المستقبل” مثلاً ألا يسمح بانتخاب خمسة نواب مسيحيين مؤيدين لحزب “القوات اللبنانية” في دائرة زحلة، لكي يعود حزب “القوات” الى حجمه المتواضع في دائرة بشري. وحدّث كذلك عن الكتائب الذي يختار “المستقبل” و الحزب التقدمي الاشتراكي نوابه الأربعة في طرابلس وزحلة وبيروت وعاليه. وتنطبق هذه المعادلة على “التيار الوطني الحر” الذي يعني اي خروج له عن مسار التفاهم مع “الشيعية السياسية” خسارة نوابه بالجملة في دائرتي بعبدا وجبيل كحد ادنى.
أزمة عميقة تعيشها الاحزاب والكتل المسيحية بين ما تعلن من مواقف وبين الوقائع الميدانية المتراكمة والتي ستزداد مفاعيلها في 2016.