يغفل بعض الناس عن أهمية الوقت، فلا يستشعرون بقيمته وينفقونه فيما لا يُستَحقّ، ولا يبذلون جهودهم وطاقاتهم بما هو مفيد لتنمية قدراتهم وتوسيع آفاقهم. أمّا البعض الآخر فيستثمره بشكل فعّال وفي أعمال هادفة. وكثيرة هي الأمور التي تستحقّ وتحتاج أن نعطيها من جهدنا ووقتنا وطاقتنا، لأنها تساعدنا في تكويننا المعرفي وبنائنا الثقافي، وتعدّ القراءة أو المطالعة من الأمور الأساسية والوسائل المهمة التي تساعد على استغلال الوقت بشكل ايجابي نظراً لما تخلقه من قوة فكرية.تزيل المطالعة الجهل الموجود داخل الإنسان ليخرج من الظلام، وتساعده على الدخول إلى عالم المعرفة حيث ينمّي قدراته ومواهبه. والمجتمعات بحاجة إلى أبناء مثقّفين ومفكّرين يطمحون إلى الإصلاح والتحسين نحو الأفضل.
والسؤال هو كيف يمكننا تخطّي الأزمة الحقيقية مع القراءة أو تراجع الإقبال على المطالعة، خصوصاً لدى الأجيال الشابة، في ظلّ الحديث عن أزمة المطالعة؟ وكيف تعيد الأسرة تفعيل حبّ القراءة وتنميته؟ وما المقصود بـ»العلاج بالقراءة أو البيبليوثيرابي وكيف يساعد على الشفاء؟
المطالعة… أزمة تستوجب حلاً
في حديثها لـ«الجمهورية» تؤكّد الدكتورة والكاتبة والباحثة ناتالي الخوري: «اننا نعيش أزمة حقيقية مع القراءة تستدعي إرشاد الطلّاب إلى قراءة النصوص الفكرية-الاجتماعيّة والجدلية التي تنمّي بدورها حسّ المعرفة عند الطالب وتزيد من ثقافته وتخلق حالة هوس معرفي عنده، من دون إغفال أهميّة قراءة الفرد للكتب التي تشبه الواقع الذي يعيشه هو، ومتابعة الكاتب الذي يعيش همومه ويعانى ما يعانيه، ومن الضروري أن يوجّه الأساتذة الطلّاب الى الكتب التي تهتمّ باللغة وإشراقتها».
كذلك، من المهمّ جداً أن يتشارَك القارئ مع غيره ما يقرأه ويتعلّمه، فيشعر حينها بمدى أهمية ما اكتسبه وبضرورة إفادة الشخص الآخر وتزويده بقيمة المعرفة وفائدة القراءة. وتضيف الخوري في السياق ذاته أنّ «الإعلام المرئي لا يخصّص حيّزاً للثقافة والكتب والكتاب إلّا فيما ندر، إلّا أنّ الإعلام المكتوب يقوم بدوره في تصوير مستوى الحركة النقديّة والثقافية والفكريّة المعاصرة».
القراءة… تُكتَسَب منذ الصغر
تؤدي الأسرة دوراً مهمّاً في تنمية الميول القرائية لدى الطفل، وينمو حبّ القراءة في المدرسة بعدما يولد في الأسرة، فيصبح من ثَمّ عادة تساعد الطفل القارئ على توسيع معارفه وقدراته.
وفي هذا السياق تشير الدكتورة في علم النفس الإجتماعي مي مارون لـ«الجمهورية» أنّ «القراءة عادة تُكتَسَب منذ الصغر، فالشعوب الأوروبية والفرنسية على الخصوص تقرأ بشكل مكثّف منذ صغر سنها، أمّا بالنسبة للبنانيين فالأمر مختلف تماماً، إذ يتفاوت الإهتمام بالمطالعة من شخص إلى آخر لأنّ بعض الأسَر لا تشجّع الأطفال على اكتساب هذه العادة».
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الأب والأم قارئين، سيتشجّع الطفل على القراءة لأنّ الطفل يتأثّر عادة بالكبار ويسعى إلى تقليدهم. كذلك، تذكر أنه «من المهمّ أن يصطحب الأهل أطفالهم لزيارة المعارض الثقافية والمكتبات وتعويدهم على ادّخار مبلغ من المال لشراء كتب مناسبة لهم ما يساعدهم على التعلّق بالقراءة».
وتؤكّد أهمية تعويد الأهل أولادهم على تنظيم أوقاتهم، فيخصّصون وقتاً للعب ومشاهدة التلفزيون ووقتاً آخر للقراءة وضرورة وجود مكتبة في البيت لأنها تؤدي دوراً مهمّاً في تكوين شخصية الطفل وتنمية قدراته ومواهبه.
وعن تأثير العامل الاقتصادي في اقتناء المواطن الكتب، تقول: «لا ينعكس العامل الإقتصادي سلباً على اقتناء الكتب أو الإقبال على المطالعة، لأنّ كلفة بعضها منخفضة وبالتالي يستطيع كلّ فرد شراء الكتب».
وتلفت مارون إلى فضيحة «غياب خطة تربوية لتشجيع التلامذة على القراءة وأفول دَور الأساتذة أيضاً في تحفيز التلامذة وحضّهم على القراءة، ناهيك عن البرامج التي تُعرَض على وسائل الإعلام، فليس هناك أيّ برنامج ثقافي يسمح للناس التعرّف إلى الكتاب أو الكتب».
العلاج بالقراءة: إقرأ تشفَ!
يقوم علماء النفس والأخصائيون وأمناء المكتبات بمداواة المرضى من خلال البيبليوغرافيا، أو وصف الكتب التي تتناسب مع حالتهم النفسية أو الجسدية.
وتشير مارون إلى أنّ «قراءة الكتب تساعدهم في تخطّي مشكلاتهم من خلال إسقاط ما يشعر به المريض على شخصية الكاتب الذي يعيش تجربته نفسها، فالعلاج القرائي يقود المريض لبداية حلّ سليم وواعد، ولكن إذا لم يكن المريض شغوفاً بالقراءة ولديه قابليّة للمطالعة قد لا يكون العلاج بالقراءة شفائياً».
وأزمة المطالعة هي مشكلة خطيرة تضاف إلى قائمة مشكلات لبنان الكثيرة في ظلّ التحديّات والإرباكات التي تطاله، وإيجاد الحلول يستوجب تعاون الأهل مع الطفل أولاً، ثم يبدأ دَور المدرسة التشجيعي. ويبقى دَور الوزارات المعنيّة أساسيّاً وضروريّاً لرسم وتنفيذ خطط تشجّع أفراد المجتمع على القراءة، وخصوصاً الأجيال الشابّة. وبالتالي، تكون حلّاً لأزمة حقيقية تهدد ثقافتنا.
تانيا عازار – الجمهورية –