يعتقد الكتاب المقدّس في صفحاته الآولى ، تحت قلم المؤلّف اليهويّ (التقليد اليهويّ هو أحد التقاليد الرئيسة الأربعة التي هي في أصل تأليف التورا وهو يمتاز بكونه يطلق على الله ، منذ رواية خلق العالم ، اسم يهوه ، قبل أن يوحى به إلى موسى في خروج 3 : 15 ) ، إنّ الإنسان المتّحد بالله ، الذي يحبّه ، يعيش في السعادة (الفردوس) . لكن هذه السعادة لا تكتمل إلاّ إذا أحبّ المرء واحدًا آخر ، شخصـــًا ثالثــــًا : المرأة .
يقول المطران يوسف توما : المشكلة تأتي – بالنسبة لكاتب اليهويّ – عندما يقعُ القطب الثاني : الله ، في النسيان . السبب كامنٌ في القلق الذي تزرعه الحيّة (التي ترمز إلى العدم والكذب والشكّ) . فتنقلب السعادة إلى جنون ، ويتحوّل الفردوس إلى تهديد وخوف وشعور بالعري ، ورغبة بالهرب ، ويتحوّل الحبّ بين الرجل والمرأة إلى صراع (صراع الجنس) ، ويختلط الحابل بالنابل ، والرغبة بالحاجة وحبّ السيطرة بالرغبة في إذلال الآخر .
هكذا تتوّلد خيبة الأمل والشعور باللعنة . ويمتدّ الهرب إلى العمق ، ويتأرجح المرء بين رغبة الهيمنة وبين الإحساس بالعجز ، بين الرغبة الشديدة والشعور بالعار .
كلّ القصص والحكايات ، منذ بدء الكتابة ، منذ ملحمة كلكامش ، منذ قصص الحبّ الآولى حتى آخر الأفلام والمسلسلات ، كلها تحكي هذه الحتميّة في الحبّ : إنه الذهول أمام ” حتميّة الحبّ ” ، أمام لقاء الجنسين ، ويتّصل هذا اللقاء بالديانة ، بالشعور بالقدسي ، بغبطة المحبّين ؛ لكن سرعان ما تتحرّك أسس الحقد والبغض ، ويتولّد بين الرجل والمرأة الحاجة إلى الإقتصاص من الآخر ، إلى تعذيبه .. فيختلط كلّ شيء .
هل هذا هو نصيب الجميع ؟
كلّا ، إنه فقط نصيبُ المطرودين من الفردوس (عدن) ، من صداقة الله . إنه نصيب مَن فقد ” بوصلة ” حياته ودعوته ، الخائف من الخليقة ذاك الذي قطع الصلة ” بأصوله الآولى “، الذي فقط ما هو ” طبيعيّ ” فيه .
السؤال يُطرح الآن : هل الكاتب اليهويّ متشائم من الحبّ ؟!
بالنسبة له ، الحبّ ليس مجرّد دعوة الإنسان الأصليّة ، ولا مجرّد قوّة القلب العميقة . الحبّ هو ” الفردوس المفقود “. فلو استطاع الناس أن يحبّوا حقّا ، لتحوّلت الأرض إلى فردوس ، ولأستضاء كلّ شيءٍ كما كانَ في اليوم الأوّل ، ولأحسّ الإنسان بـــ الوحدانيّة الآولى ” يوم كان متحدا مع كلّ الخليقة ” محاورا إيّاها ” ، ” مسمّيا إيّاها ” ، كلّ ذلك بإتجاه هذه المجهولة ، المرأة ، التي كان الله يعدّها له ، في الخفاء ليقدّمها له في اليوم المناسب ، عندما سيحرقه لضى الحبّ . قد نرى هنا ، نوعًا ما ، المشكلة الكبيرة العويصة حول عدم فهو وإدراك سرّ شخص يسوع (الابن) وسرّ الثالوث ! .. من فقد معنى ” الحبّ الأصليّ ” هذا ، أي فقد الوحدانيّة الحقيقيّة والإتحاد بالله ، بالمحبّة الآولى ، سيصعب عليه فهم سرّ شخص المسيح وسرّ الثالوث .
همّ الكاتب هنا ، ليس وضع أيّة أفضليّة للرجل على المرأة ، بل إنّه يبيّن لنا أنّ أحتقار الرجل للمرأة لا يدخل ضمن مخطّط الله ، ولا إرادته الآولى . ونستطيع القول هنا ، أن أفكاره هذه هي ثورة على السائد في عقليّتنا ، هذا اليوم ، أي عندما نفهم أنّ المرأة هي المُجرِّبة والمجرَّبة . بالعكس ، فالكاتب يخلّصها من هذا ، فيضع للتجربة مصدرًا غامضا آخر : الحيّة . ويجعل المرأة ساذجة (أفرام السريانيّ) وخاطئة رغمًا عنها .
إذن ، فلننتبه هنا ، ونرى أمرًا مهمّا جدّا : الحبّ بين الرجل والمرأة ، أو بين خطيب وخطيبته ….. هو بركةٌ كبيرة ، ولا يتحوّل إلى ” لعنة ” و ” سكوت ” و ” عدم إحترام ” ، إلاّ حين لا يصيرُ الله مركز العالم ، أو يكون مركزا ومقياسًا للعلاقة وللحبّ . الرجل – الله – المرأة : فميزان العلاقة الحقيقيّة هو الله . فالرجل يرى الله في إمرأته ، والعكس صحيحٌ . والتجربة ، كما ذكرنا في الحلقات الآولى ، رموزها : شهوة ، لذّة ، إنها رموز جنسيّة واضحة ، وسنراها أيضا في نصوص سفر التكوين : الشجرة ، الثمرة . ولقد استقى الكاتب أفكاره من الثقافات القديمة وحضاراتها وأساطيرها ، لإن الأساطير هي الأسلوب الوحيد الذي كان لدى الأقدمين للتعبير عن العمق من الأفكار . لكنّ الكاتب اليهويّ لاهوتيّ بإمتياز : يحاول أن يفسّر الصراع بين الجنسين كنتيجة لفشل العلاقة الآولى بين الإنسان وبين الله .
يتبع
بقلم عدي توما / زينيت