جوان صفير، رامي بطرس، سيلفي عبد الساتر، ميشال خزام… أسلموا الروح على طريق عجلتون. تطول لائحة ضحايا حوادث السير على طرقات لبنان بعدما سجّل العام 2017 في 11 شهراً سقوط أكثر من 440 قتيلاً و4 آلاف جريح، بحسب قوى الامن الداخلي، إذ بلغت الحوادث في نيسان وأيار ذروتها، فشهد كلّ شهر 50 قتيلاً، يليهما حزيران 48 قتيلاً، وتموز وآذار تساويا بـ 47 قتيلاً.
بين 15 و29 سنة
يمضي هشام إبن الـ20 عاماً ووحيد أهله، العمر على كرسيٍّ متحرّك بعدما إصطدمت سيارته بعمود للإنارة، فيما ربيع (19 عاماً) رأى الموت بعينيه بعدما أمضى أسبوعين في العناية الفائقة نتيجة اصطدام سيارته بالفاصل الوسطي في أحد شوارع المدينة الصناعية، أمّا صديقه فتوفيّ فوراً.
تتعدَّد الأسباب التي يتربَّص خلفها شبح الموت على الطرقات من غياب الإنارة، سوء الرؤية، حفرة، وجود فاصل باطون بطريقة عشوائية، بروز مطبّات لا تُراعي السلامة المرورية، وتتفاوَت معها نسَب حوادث السير.
تستحوذ محافظة جبل لبنان على أعلى نسبة من الحوادث 32,48 في المئة، يليها الشمال 20 في المئة، البقاع 14 في المئة، بيروت 12 في المئة. إلّا أنّ القاسم المشترك بين المحافظات كافة هو أنّ النسبة الأكبر من الضحايا هم في «عزّ» الشباب.
ويأسف رئيس العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزف مسلم لسقوط خيرة الشباب، قائلاً: «31 في المئة من الذين خسرناهم هذا العام تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، أي أكثر من 140 قتيلاً و1600 جريح. وفي معظم حوادث هذه الفئة العمرية، نادراً ما يكون السبب عاملاً خارجياً كالطريق، إنّما نتيجة سلوك خاطئ من السائق، كالتلهّي على الخلوي او القيادة تحت تأثير الكحول، السرعة الزائدة، عدم وضع حزام الامان».
فيسأل متأسّفاً: «ماذا يمكننا فعله حيال من يأخذ سيارة المنزل بالخفاء عن والديه، أو تلك الوالدة التي تَتباها أنّ ابنها يقود قبل العمر القانوني؟» مشيراً إلى «انه مهما بلغ التشدّد في تطبيق القانون وتحذير المواطنين وإقامة الحواجز لن يرتدعوا ما لم يتحوّل تطبيق القانون نَمط عَيش».
سنتان و7 أشهر على قانون السير
بعد مضيّ نحو سنتين و7 أشهر على تطبيق قانون السير الجديد، بلغ المجموع العام للمخالفات مليون و222 ألف و391 محضراً. وعلى رغم الحوادث المفجعة التي استفاق عليها اللبنانيون مراراً هذا العام، كحادثة مقتل الجندي حسان وجرح 5 مواطنين في عكار، يُثني مسلّم على مفاعيل القانون قائلاً: «على رغم الحوادث التي تتكرَّر، وبحسب دراسة أجريناها لواقع حوادث السير بين 22/4/2013 (قبل تطبيق القانون) و22/4/2017 (بعد عامين على تطبيقه)، تَمكنّا من خفض نسبة القتلى للمرة الاولى 22 في المئة، وعدد الجرحى 21 في المئة».
ولكن في الوقت عينه، لا ينكر مسلّم أنّ المسؤولية لا تقع وحدها على القانون، «إذ إنّ لغياب معايير السلامة المرورية على الطرقات حصّة، معظمها لا ترحم ولا تحتمل أيّ هفوة من السائق وتَسلبه روحه على الفور». لذا، يعتبر أنّ التصدّي لحوادث السير يَستلزِم «تضافر المؤسّسات والبلديات والوزارات المعنية إلى جانب ما يبذله عناصر قوى الأمن الداخلي».
200 ألف يُلغيها إتصال
350 ألف ل.ل. غرامة تجاوز الإشارة الحمراء، 200 ألف ليرة التحدث على الهاتف… يتفاوت حجم الغرامات التي فرضها القانون، إلّا أنّها في معظمها مؤلمة لجيوب المواطنين الذين عَلت صرخاتهم في بدايات تطبيقه.
ولكن بعد مرور عامين على القانون بدأت تتلاشى قاعدة «الواحد ما بيتعَلّم إلّا من كيسو»، فالغرامات العالية لم تعد رادعاً كبيراً، بل تحوّلت لدى البعض إلى باب تلبية خدمات بحسب حظ المخالف ومدى عمق علاقاته مع المسؤولين، فإمّا يحظى بمَن يُسدّد عنه المخالفة أو بمَن يُلغيها له من الأساس.
وهنا يكفي النظر إلى ردود أفعال المواطنين الذين يفاجأون بالحواجز الامنية، فمنهم من يتوسّل الشرطي ويُمضي وقتاً يعتذر منه لكي لا يُسطّر بحقه أيّ ضبط لتعذّره عن الدفع، وآخر يأخذ المخالفة على مَضض، فيما نسبة لا يُستهان بها تتسلّم ضبط المخالفة كمَن يُعرض عليه «حبة شوكولا» لمعرفتها المسبقة أنها لن تُسدّده، «فاتصال واحد كفيل أن يُلغيه»، وفق ما سمعناه مراراً من مواطنين ونحن نُعدّ التحقيق.
من جهته، يعتبر مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم «انّ المسألة تحتاج إلى إعادة النظر في حجم الغرامات، لأنّ كلفتها الباهظة ليست المعيار الأساس لردع المواطنين من دون وجود خطة لتطبيق القانون بشكل فعّال، وقد أثبتت التجارب أنّ «اللبناني بيعرف يدَبِّر حالو»، في ظل المحسوبيات والواسطة، وتبقى العَترَة على الفقير».
ويوضِح لـ«الجمهورية» أنّ «حجم حوادث السير سنوياً هو أكثر ممّا يتم الإعلان عنه، بسبب غياب قاعدة معلومات حقيقية، ونظراً إلى أنّ عدداً كبيراً من الحوادث لا يُسجّل ما لم ينتج عنه ضحايا».
60 % أسباب غير محددة
ويذهب إبراهيم أبعد من ذلك، فيعتبر أنّ الحوادث ستتكرَّر ما لم يُعرف المُسبّب الفعلي، ويقول: «في جردة أولية تشمل حوادث العام 2017، يتبيَّن أنّ 60 في المئة منها غير محدّد السبب، ما يؤكد أننا ندور في دوامة مفرغة، أو أنّ معظم التحقيقات تجري لتحديد المسؤوليات القانونية وليس لتحديد العوامل المسبّبة لتفادي حصولها مستقبلاً، داعياً إلى ضرورة «التقصّي عن الأسباب الفعلية للحوادث من خلال إجراء تحقيقات علمية كي لا نبقى بعيدين عن الملامسة الفعلية لصلب المشكلة».
الحل؟
من الواضح أنّ اعتماد قانون السير لم يحلّ قضية حوادث السير جذرياً، إنما شَكّل أحد أبرز الأدوات لوَقف نزيف شبح الموت على الطرقات. كذلك أثبتت المعالجات الجزئية للطرقات ولملف السير أنها ليست الحلّ المُجدي.
وعلى سبيل المثال، طريقة التعاطي مع المطبّات التي زُرعت في كلّ الطرقات على اعتبار أنها تردع السرعة، ولكن في الآونة الاخيرة تمّ إلغاؤها كونها وضعت بطريقة غير مرئية ولا تستوفي شروط السلامة العامة والهندسية للطرقات، فأدّت إزالتها إلى استحداث حفَر، من دون خلق أي بديل. لذا، لا بد من وضع استراتيجية متكاملة لصيانة الطرق بالتزامن مع استمرار تثقيف المواطنين عن قانون السير.
وفي هذا السياق، يتوقف إبراهيم عند أهمية إعادة تفعيل المجلس الوطني للسلامة المرورية الذي أقرّه قانون السير، والذي يترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، قائلاً: «انّ الازمات السياسية في البلد لا تجعل السلامة المرورية على سلم أولويات السياسات الحكومية».
ويضيف: «كذلك لا بد من تفعيل عمل امانة سر المجلس الوطني للسلامة المرورية التي يجب ان تضمّ خبراء من التخصّصات كافة، يقومون بالابحاث والدراسات ويرسمون السياسات ويرفعونها الى المجلس الوطني، ولكن للأسف هذه اللجنة لم تُفعَّل بعد، وآلية التفعيل مرتبطة ببعض الإجراءات وصرف الميزانية اللازمة وتشكيل فريق عمل من الخبراء المتخصصين»، مشيراً إلى أهميّة إعادة النظر في مدى التزام تطبيق قانون السير الجديد.
إنشاء وحدة مرور، تطوير مكاتب السوق إلى مدارس، تطوير رخَص القيادة، وغيرها من العوامل التي وردت في القانون، لكنّها لم تبصر النور بعد… فكم من الوقت يجب الانتظار فيما طرقات لبنان لا ترحم؟!!
نتالي اقليموس
الجمهورية