سألنا أحد الإخوة عن رأي الكنيسة بالحرب العادلة. وكنا قد تحدثنا عن هذا الموضوع في فترة أقل تعقيدًا من الفترة الراهنة. ولكن، بالنظر إلى الجواب الذي قدمناه انطلاقًا من تعليم الكنيسة الكاثوليكية، ندرك أن الموقف يبقى هو عينه. سنقوم بتوسيعه قليلًا مع إضافة بعض المعطيات الجديدة، على أن نبقى في إطار “سؤال وجواب عالطاير”.
يجب أن ندرك بادئ ذي بدء أن الدين المسيحي دين سلام. العهد الجديد، ارتكازًا أيضًا على نبوؤات العهد القديم، يتحدث عن المسيح كـ “أمير السلام”. والملائكة يهتفون نشيد السلام لدى ولادة المسيح “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام…”.
هذا وإن الكنيسة، التي تسير في التاريخ، تدرك أن الحياة على الأرض – وللأسف – تفرض أحيانًا ضرورة الدفاع عن الذات والتدخل بقوة لحماية من نحبهم ونحن مسؤولون عنهم. فالموقف السلمي المطلق، قد يضحي أحيانًا تخاذلاً عن العدالة، ونقصًا في المحبة تجاه من يتعرض باستمرار للتنكيل.
نقدم مثلاً مصغرًا لإيضاح الفكرة:
لنفترض أنك تجد عند زاوية الطريق رجلاً عنيفًا استفرد بفتاة مراهقة وبدأ يضربها ليضعفها استعدادًا لاغتصابها وإذلالها. ماذا ستفعل كمسيحي؟ هل تتفرج عليه؟ هل تدير ظهرك وتمشي في سبيلك؟ هل هذا ما كان يسوع، السامري الصالح، ليفعله؟ هل كان يسوع ليكتفي بالخطوة الأولى، خطوة “الوعظ” والتحريض على التعقل؟ هل تظن أن المسيح الذي حمل السوط وقلب طاولات الباعة لأنهم قللوا من احترام بيت الله (الهيكل) سيقف مكتوف الأيدي أمام انتهاك حرمة هيكل الروح القدس الذي هو الجسد البشري؟
– لن أطرح أسئلة أخرى وأتركك لتحكيم ضميرك…
المحبة هنا لا تردعك عن الدفاع، ولو بالقوة، بل تحثك على ذلك. اللامبالاة في هذه الحالة هي انغلاق على المحبة وبالتالي انغلاق على الإنجيل.
بالعودة إلى مسألة الحرب العادلة، ومن منطلق أننا لسنا بعد في ملكوت الله، بل في “وادي الدموع” كما يقول أحد الأناشيد المريمية، تضطر الكنيسة الكلام عن “الحرب العادلة”، لا كَشَرّ مرغوب، بل كرادع لشرور أكبر، وبالتالي، ليس كنظرة تناقض الإنجيل، بل كتجسيد لمبادئ الإنجيل في الإطار التاريخي المعاش.
لهذا السبب يشدد تعليم الكنيسة بادئ ذي بدء على أنه “نظرًا لفظاعة ودقة المسألة، فالحرب العادلة تخضع لشروط قاسية وصلبة ضمن حدود الشرعية الأخلاقية”. والشروط هي:
– يجب أن يكون الضرر الذي يولده المعتدي على الدولة وعلى المجتمع الدولي مستمرًا، خطيرًا وأكيدًا.
– يجب أولاً أن يتم استعمال كل الوسائل السلمية والدبلوماسية الممكنة لوقف ضرر المعتدي.
– أن يكون هناك شروط نجاح واضحة في الأفق.
– ألا يؤدي اللجوء للأسلحة لضرر وخراب وفوضى أكبر من الشر الذي يُراد إزالته.
هذا ويشدد تعليم الكنيسة على أن القواعد الأخلاقية تبقى ثابتة ولا تتغير حتى في أقصى حالات الحرب.
من هذا المنطلق، رغم أن كتاب “تعليم الكنيسة الكاثوليكية” يتضمن أرقامًا عدة بشأن “الحرب العادلة”، إلا أن الشروط التي يجب أن تتوفر قبل التمكن من القيام بحرب من هذا النوع، تجعل “الحرب العادلة” أمرًا نادرًا، نظرًا لصعوبة تراكم هذه المبررات معًا.
مثل: إذا ما نظرنا إلى الاجتياح الأميركي للعراق (2003)، لرأينا أن هذه الشروط لم يتم احترامها. من يقرأ الشروط المذكورة أعلاه يرى أن أيًا من هذه الشروط قد توفر قبل قرار الإدارة الأميركية حينها! وهذا الأمر ردده البابا يوحنا بولس الثاني مرات عدة خلال العام 2003. لو لم تقم أميركا بذلك الاجتياح لما مات صديقي القديس الأب رغيد ولما قُتل ما يزيد عن مليوني عراقي بريء معظمهم من المسلمين، ولما وُلد التطرف الداعشي مع كل الشرور التي يحملها مع ذيوله الشيطانية، من انتهاك لحرمات ومحرمات المسلمين والمسيحيين.
فلنختم هذا “الجواب عالطاير” بكلمة مفيدة وبناءة للبابا فرنسيس، غردها مؤخرًا على موقع تويتر:
“الحرب الوحيدة التي يجب علينا جميعا خوضها هي الحرب ضد الشر”.
لو سمع البشر لصدى الإنجيل هذا لما كانت حروبنا مع بعض، بل ضد الشرير الذي “يوسوس في عقول الناس”.
زينيت