يلعب الكرسي الرسولي دوراً محورياً على الساحة العالمية، في أميريكا الجنوبية، في العلاقة مع موسكو، واشنطن والأمم المتحدة وفي خدمة الفقراء. وفي خضم الأزمات العالمية المتنامية، يستعدّ قداسة البابا فرنسيس للقاء سفراء الدول في الفاتيكان في الحادي عشر من الشهر الجاري.
فرنسيس، هو بابا الكلمات البسيطة، القادر على التحدّث علناً مع المؤمنين من جميع الجنسيات، ألبابا الذي لا يحتاج إلى وسطاء أو مترجمين، في الوقت نفسه هو قائد عالمي قادر على إعطاء دفعاً كبيراً لدبلوماسيّة الفاتيكان، مغيراً مسارها. لا شك أنّ وزير خارجية الفاتيكان ألكاردينال بييترو بارولين، السفير الباوبي السابق لفنزويلا، المتمّرس في العمل الدبلوماسي داخل الفاتيكان، يلعب دوراً مهماً على هذا الصعيد.
يساعده نائبين، بول ريتشارد غالاغير، وأنجيلو بيتشيو. رئيس مجمع الإكليروس ألكاردينال بنيامينو ستيلا كان أيضاً سفيراً بابوياً لجزر الكاريبي وكولومبيا في السابق وأمين عام السينودس، كذلك الكاردينال لوينزو بالديسيري شغر موقع السفير البابوي لدى البرازيل سابقاً. إذاً لدى هؤلاء خبرة واسعة على صعيد العمل الدبلوماسي.
أللائحة كبيرة، فالكاردينال الإسباني سانتوس أبريل إي كاستيلو كان سفيراً بابوياً في الأرجنتين ومناطق أخرى. نرى أنّ البابا محاط بالعديد من خبراء الدبلوماسية وليس هذا من قبيل الصدفة.
دور الوساطة الذي لعبه الفاتيكان والبابا نفسه في تسهيل ذوبان الجليد بين كوبا والولايات المتحدة تاريخي، حيث دخل الحوار طور التنفيذ الصيف الماضي، فأعاد البلدان فتح سفاراتهما في واشنطن وهافانا. وفي أكثر من مناسبة، أعرب الرئيسين الكوبي والأميريكي عن امتنانهما للدور الذي لعبه البابا.
في كولومبيا أيضاً، الكنيسة المحلية والكرسي الرسولي ساهما في نجاح عملية السلام بين الحكومة والمسلحين. أيلول الماضي، أرسل البابا نداء لكلا الطرفين، معرباً عن أمله في نجاح المفاوضات وفي رسالة الميلاد تمنى أن يضيء الفرح جهود الشعب الكولومبي، فيتابعون التزامهم لتحقيق السلام المنشود. وفي الأيام الماضية الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس أذن للكنيسة القيام بدور الوساطة في المحادثات مع مجموعة أخرى من المقاتلين، جيش التحرير الوطني. وقد نجح الفاتيكان في هذا.
في الثالث من نيسان 2014، استقبل قداسة البابا الملكة اليزابيث ألثانية رسمياً رئيسة كنيسة بريطانيا، واللقاء وضع حداً للخلافات حول جزر الفالكلاند المتنارع عليها بين بريطانيا والأرجنتين.
أمّا في العلاقة بين واشنطن وموسكو، فاستقبل البابا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتين والرئيس الأميريكي مرة واحدة، كما زار البابا واشنطن في أيلول الفائت. وفي أيلول 2013، أرسل البابا رسالة إلى الرئيس الروسي بمناسبة انعقاد مجموعة الدول العشرين في بترسبورغ في وقت كانت أميريكا في صدد القيام بخطوات عسكرية ضد الرئيس الأسد طالباً عدم استخدام القوة في حل النزاعات وكانت روسيا معارضة أيضاً لهذا الأمر. أمّا أوكرانيا، فكانت دائماً حديث البابا الذي طالب بتنفيذ الإتفاقات المبرمة لاستعادة الوفاق والسلام في البلاد.
لا يمكن المرور مرور الكرام على عمل البابا الدبلوماسي منذ انتخابه، ففي تشرين الثاني 2014، كان لخطابه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ وقعا مهماً، مطالباً أوروبا التغلّب على الأوضاع الاقتصادية الخانقة والخروج من العزلة والإستقالة من دورها التاريخي.
مؤخراً، وضع البابا ثقله في دفع قادة العالم المجتمعين في باريس الحد من عوامل تغيير المناخ وكانت عظاته تصب دائماً في هذا الصدد، مما دفع القادة العالميين إلى تبنّي وسائل جديدة للحد من تغير المناخ مما اعتبر انتصارا تاريخيا للبيئة وأيضاً للفاتيكان.
لا يمكن أن نغفل أيضاً دور الفاتيكان في إرساء حوار سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودعا كلا الطرفين إلى روما، كذلك الحوار الكاثوليكي الأورثودكسي الذي بدأ يأخذ منحى إيجابياً كبيراً منذ تسلّم فرنسيس سدة البابوية.
ألفاتيكان، هذه الدولة الصغيرة الحجم، قادرة على تغيير العالم ليصبح أكثر عدالة وسلاماً. فخلال الحرب الباردة، استطاعت هذه الدولة العظيمة الوقوف في وجه الخطر الشيوعي وانتصر خط الكنيسة وكان خطوة جبارة على صعيد الحفاظ على السلام العالمي ودور الكنيسة في أوروبا.
Aleteia