خبرة الحب جعلت من الحبيبة ترى نفسها سوداء ولكنها جميلة. الخبرة لم تبدأ هنا في النشيد ولكنها بدأت منذ التكوين وستنتهي بسفر الرؤيا.
أول كلمة بشرية في الكتاب المقدس هي على لسان ادم عندما يرى حواء فيقول: (( هذهِ هي عَظْمٌ مِن عِظامي ولَحْمٌ مِن لَحْمي. هذه تُسَمَّى اَمرَأَةً لأَنَّها مِنِ آمرِئٍ أُخِذَت)) (تك2: 23). كلمة تعجب وإعجاب من رجل إلى امرأة، كلمة حب وتعارف، وسينتهي الكتاب بسفر الرؤيا: “تقول العروس لعريسها: تعال” (رو 22/ 17) سينتهي بكلمة بين تلك المرأة ورجلها، بعد أن تعرفت عليه.
نعم بين هذين النصين نجد قصة تلك الحبيبة، قصتي وقصتك، ونجد صوت الحبيب يتردد في كل الكتاب ويقول: “قومي يا حبيبتي وتعالي”.
لا ارغب تقديم تفسير لسفر نشيد الأناشيد في هذه المقالات، ولكن أتأمل في بعض صفات هذا الحب. ما هو الحب حسب نشيد الأناشيد؟ ما هو هذا الذي نسعى إليه كلنا ونتوق له؟ ما هو هذا الشيء الذي إذا استغوانا لا نستطيع إلا أن نترك أنفسنا تستغوى منه، واذا دعانا نلبيه؟
– الحب حوار. هي وهو يتكلمان ينظران لبعضهما ويبحثان عن بعضهما البعض، يناديها فتلبيه، تبحث عنه فيظهر له نفسه. تتوه عنه فتجد نفسها فيه. اثنان كانوا ومع الحوار أصبحا واحدا: “ولذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا” (تك 2/24).. لا نستطيع فصل صوتها عن صوته وكلماتها عن كلماته: (2: 8-10) صَوتُ حَبيبي. هُوَذا مقبِل حَبيبي تَكلَمَ وقالَ لي: (( قومي يا خليلتي، يا جَميلَتي، وهَلُمِّي).
تشعر بقدومه، تسمع صوته. يكلمها لكنها هي التي تنطق بالكلمات، تسمعه قبل ان يأتي. صوتها يصبح صوته. بل وتتداخل أصواتهما. يالا عمق وحدة الكيان، يالا عمق رباط الروح، الذي يفوق أي اتحاد جسدي، الذي يفوق الاتفاق على الآراء، هنا نتحدث عن اتحاد كامل بين أنا وانت، هذه هي خبرة الحب. نعم خبرة حب بين حبيب وحبيبة ولكن في العمق تظهر لنا معنى الحب. معنى حب الله. تظهر لنا ماهي مشيئة الأب لنا ومعنا. أليس هذا الاتحاد الكامل! وما غيره يستطيع ان يشبع الإنسان. أي اتحاد أخر هو رائع وجميل وممتع، صورة لهذا الحب. لذلك فالبتولية ممكنة لأنها قمة هذا الاتحاد. البتولية ليست حرمان من الاتحاد بأخر، هي اختيار اتحاد مع شخص معين، مع الشخص، مع الحبيب. هي حب دائم، قمة ما نجد صوره في الحب البشري. لأنها توحدنا بالحبيب، بمن تبحث عنه نفسي، أليس كذلك؟
لا عجب ان يكون هذا الحب هو طبيعة الله، فالله محبة. الله الذي بدأ حوار معنا منذ البدء، حوار قبل المفروض والواجبات، قبل الحق والصح والخطأ، قبل أي شيء، بدأ حوار، وفي ملء الزمان أرسل لنا ابنه، الكلمة، وما هي الكلمة إلا حوار الأب معي ومعك. نعم المسيح هو حوار الأب لنا. معه نتحد به، وفيه نجد معنى لأي اتحاد: انا وانت.
هذا جانب من حب نشيد الأناشيد ولكن يبقى ما هو أعمق….
زينيت