لم تكن العلاقة بين «غوغل» والاتحاد الأوروبي جيّدة يوماً، ومن المرجّح أن تتدهور أكثر خلال الفترة المقبلة، بعدما أعلنت المفوضيّة الأوروبيّة أمس، عن بدء «تحرّكات عمليّة ضدّ الشركة الأميركيّة بتهمة استغلال موقعها المهيمن»، بما يخالف قوانين المنافسة ومنع الاحتكار المرعيّة في دول الاتحاد.
المفوّضة الأوروبيّة المكلّفة بقوانين المنافسة مارغريت فيستاغر أعلنت في مؤتمر صحافي عقدته أمس، في مقرّ المفوضيّة في بروكسل، فتح تحقيق حول مخالفات «غوغل»، سواء عبر محرّك البحث التابع لها، أو عبر نظام تشغيل الهواتف الذكيّة «أندرويد»، مانحةً العملاقة الأميركيّة مهلة عشرة أسابيع للردّ. ويأتي إعلان فيستاغر التصعيدي، بعد خمسة من التحقيقات الأوليّة التي تجريها «وكالة ضبط المنافسة الأوروبية»، حول أداء «غوغل» التنافسي.
تتحكّم الشركة الأميركيّة بنحو 90 في المئة من عمليّات البحث على الانترنت في الدول الأوروبيّة (مقابل 67 في المئة في الولايات المتحدة). ذلك «الطغيان» الواضح قد يكلّفها غالياً، لتصير «ضحيّة نجاحها»، بحسب ما أشارت تقارير إعلاميّة، إذ أنّها في النهاية شركة أميركيّة، تكاد تبتلع السوق الأوروبيّة، ومن المنطقي ألّا يكون ذلك سهل المنال. ذلك بالرغم من نفي فيستاغر خلال المؤتمر الصحافي «أن تكون القضيّة مواجهة بين أوروبا والولايات المتحدة». إذ أنّ ما يثير قلق المفوضيّة، بحسب تعبيرها، هو «حرمان المستهلكين الأوروبيين، بشكل مفتعل، من أوسع خيار ممكن، أو من عرقلة الابتكار».
تتركّز الشكوى الأوروبيّة على ما تظهره نتائج البحث في محرّك «غوغل»، خصوصاً في قطاعي السفر والتبضّع عبر الانترنت. ويبحث التحقيق في «انحياز» الشركة الأميركيّة لمنتجاتها، من خلال إعطائها فرص ظهور أكبر على حساب المنافسين. على سبيل المثال، إن أراد أحد المستخدمين البحث عن فيديو لأغنية ما، فإنّ النتائج التي يعرضها محرّك «غوغل» ستكون أوّلاً فيديوهات منشورة عبر موقع «يوتيوب» التابع للشركة، مع استبعاد مواقع تحميل الفيديو الأخرى. وإلى جانب التحقيق في منح «غوغل» فرص ظهور أكبر لخدماتها، يجري التحقيق أيضاً في احتمال استبعادها المتعمّد لمنتجات المنافسين من نتائج البحث. كما يشمل التحقيق توقيع الشركة تفاهمات أو عقود مع المعلنين تفرض عليهم حجب الشركات المنافسة لها عن منصّاتهم، أو تمنعهم من استخدام منصّات أخرى خارج إطار ما توفّره «غوغل» من خدمات، خصوصاً عبر نظام «أندرويد»، ومتجر «غوغل بلاي».
ولمواجهة هذا الشكل من الاحتكار، تبنّى البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قراراً يدعو إلى ما سمّي بتفكيك «غوغل» أيّ «فصل محرّك البحث عن الخدمات التجارية الأخرى التابعة للشركة»، استجابةً لشكاوى تقدّم بها منافسو الشركة، ومن بينهم «مايكروسوفت». مع العلم أنّ هذه الأخيرة كانت قد واجهت قبل نحو عشرة أعوام، شكاوى مماثلة في أوروبا.
يمكن لـ «غوغل» الوصول إلى تسوية، علماً أنّ الملفّ قد يبقى مفتوحاً لسنوات. ولكن، يمكن في المقابل فرض غرامة ضخمة على الشركة، قد تصل إلى عشرة في المئة من حجم أعمالها، أيّ نحو 6,6 مليار دولار.
ردّ الشركة الأميركيّة على فيستاغر لم يتأخّر، من خلال مذكّرة تشير فيها إلى أنّها «تمتلك قضيّة متينة»، تمّ توزيعها على الموظّفين فيها، ونشرت أجزاء من مضمونها عبر مدوّنة «غوغل» الرسميّة. وبحسب المذكّرة، فإنّ خدمات «غوغل» للتبضّع متأخّرة بنسبة كبيرة عن مثيلاتها، مثل «إي باي»، و «أمازون»، في ألمانيا، ودول أوروبيّة أخرى.
وتستعدّ الشركة لإطلاق حملة إعلاميّة ضخمة في أوروبا، وفي فرنسا تحديداً، لشرح موقفها، وتبييض صفحتها، بحسب «لو موند». وتشير الصحيفة الفرنسيّة إلى أنّ هناك نيّة لتطبيق قانون «تفكيك غوغل» ضمن دول الاتحاد، ما قد يضطر الشركة إلى تغيير نموذجها الاقتصادي بالكامل، في حال ثبت قيامها «بتكتيكات غير عادلة تجاه منافسيها». تلك التهمة نفسها التي برّأتها منها لجنة التجارة الاتحادية الأميركيّة العام الماضي.
يرى مراقبون أنّ المعارك القضائيّة بين الاتحاد الأوروبي وشركات الانترنت الأميركيّة اشتدّت بعد تسريبات إدوارد سنودن في العام 2013، والتي بيّنت تجسّس الاستخبارات الأميركيّة على مسؤولين أوروبيين، في مقدّمتهم المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل. في صيف العام الماضي، أقرّ الاتحاد قانوناً عرف بـ «حقّ النسيان»، اضطرت «غوغل» بموجبه إلى إزالة عشرات آلاف الروابط والوثائق عن محرّك البحث التابع لها، بعد طلبات وجّهت لها من أفراد وشركات.
بالرغم من محاولة المعنيين بالملفّ تجنّب التصريح حول أبعاده السياسيّة، إلا أنّه محاولة من الأوروبيين، لضبط الهيمنة الأميركيّة على قطاع الانترنت في ديارهم. ذلك ما تطرّق له الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة مع موقع «ريكود» في شباط/ فبراير الماضي، حين قال إنّ «هناك عرقلة لعمل شركات الانترنت الأميركيّة في أوروبا»، وأضاف: «لقد امتلكنا الانترنت، شركاتنا هي من ابتكرته، وتوسّعت فيه، وجعلته أفضل، ولا يمكن لأحد منافستنا في هذا المجال».
السفير