لأنه مؤمن بضرورة الحوار في هذه الأيام الّتي يعلو فيها صوت التطرف والإرهاب والتكفير، فلا يبقى مكان للاعتدال والسلام والتسامح، و”لأننا نحن أبناء هذه الارض يجمعنا تاريخ مشترك ومستقبلنا نبنيه معا”، أراد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، ان يلتقي رعاياه في بعض من دول الخليج، في اول زيارة لبطريرك أنطاكي لهذه الدول، لم تغب عنها الزيارات الرسمية ولا قضية المطرانين المخطوفين.
بطريرك الانفتاح والتغيير التقى رعاياه والشباب منهم، استمع الى همومهم وهواجسهم، وهمه الاول كان ألا يغيبوا عن أوطانهم وعائلاتهم وخصوصا كنيستهم.
الزيارة الرعوية الكنسية توّجها بوضع الحجر الأساس وتبريك كنيسة النبي ايليا الحي في ابو ظبي، على أرض قدمها الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان في منطقة المصفّح. وتزامنت مع المناسبة زيارات رسمية بدأت بدعوة من ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة للمشاركة في مؤتمر “الحضارات في خدمة الانسانية”، حيث ألقى البطريرك كلمة أكد فيها ان “الانسانية التي بناها تلاقح الحضارات وتلاقي الأديان”. وأوضح في حديث الى “النهار” على هامش زيارته الخليجية ان “أهمية توقيتها في هذه الظروف التي تتعالى فيها أصوات التطرف والتكفير والإرهاب، هي انها رسالة للناس تؤكد أهمية العيش المشترك والتسامح وقبول الآخر، واننا نعيش بسلام، مسلمين ومسيحيين، ووضع الحجر الاساس لكنيسة في الإمارات يدل على هذا الشيء”.
تحدث عن دور كنيسة أنطاكيا الأرثوذكسية في تطبيق رسالة التقارب، وكان اعتبر في خطابه في البحرين ان الاسلام والمسيحية رئتا هذا الشرق وأثمن ما أعطاه الله لكنيسة أنطاكيا الارثوذكسية، انها مشرقية الهوى، حوارية الوجود، وطنية الانتماء الى الديار، عروبية الالتزام، وجسر تواصل بين الرئتين.
وشدّد على “أهمية الوجود المسيحي في هذا الشرق، وان لا خوف عليه من الاندثار كما يشاع من جراء الأوضاع الامنية في المنطقة، ما زلنا نبني الكنائس”. وعبّر عن سروره لما لقيه من حفاوة من المسؤولين الخليجيين وبين أبناء الجالية والرعايا الأرثوذكس،”فالكنيسة ليست حجراً فقط، بل الشعب الطيب المؤمن المليء بالقيم التي تعلمها من الرب، والتي تجعلنا أشخاصاً يبنون دوما أينما وجدوا للحق والسلام والمحبة”. وفيما كان يستعد ظهر امس الأحد لزيارة وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في الإمارات العربية المتحدة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، قال: “ساعدنا كثيرا في جامعة البلمند، وقدم حاليا مركز في الجامعة باسمه “مركز الشيخ نهيان للدراسات العربية وحوار الحضارات، وكان سيلتقي ولي العهد محمد بن زايد ال نهيان في الديوان الأميري المفتوح مع بطريرك الأقباط، يرافقه الوكيل البطريركي المطران افرام المعلولي ومطران ألمانيا وأوروبا الوسطى اسحق بركات.
واضاف: “على صعيد البعدين الرعوي والكنسي للزيارة كان هناك أوجه عدة ابرزها قداديس الهية شارك فيها الجميع، ولقاءات مع أبناء الكنيسة للتعرف اليهم والى هواجسهم، ولتفقد أحوالهم بشكل عام واحوال الكنيسة خصوصا. وكان الحدث المميز وضع الحجر الأساس لكنيسة مار الياس الحي، بمكرمة من الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان الذي قدم نحو ٥ دونمات من الارض، اضاف الى اهمية العمل الذي قام به أبناء الرعية للمضي بالمشروع واكمال البناء. ولقد التمست محبة أبناء الرعية وإخلاصهم للبلد حيث يعملون. واهمية الزيارات الرسمية هي للتواصل مع المسؤولين في هذه الدول، ومنهم ملك البحرين، ولقاءات مع حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وحاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. وأتت هذه الزيارة مناسبة لتأكيد وجود أبنائنا ورعايتهم في هذه الدول، وعلى تشديد على أهمية العيش المشترك والتسامح الديني واحترام حرية الانسان وممارسة معتقداته الدينية وغيرها”.
وأشار الى انها “اول زيارة تفقدية للبطريرك الأنطاكي للرعايا في دولة البحرين والإمارات، وكانت مناسبة لتأكيد أهمية حوار الأديان والانفتاح والعيش المشترك، فنحن ككنيسة أنطاكية ارثوذكسية، مسيحين وعرباً من أبناء هذه البلاد، وعلى تواصل دائم، فنحن أبناء هذه الارض، يجمعنا تاريخ مشترك ومستقبلنا نبنيه معا وحياتنا معاً، والرابط بيننا عميق والمستقبل واحد علينا جميعا، وهذا مهم . شعرنا بالارتياح الكامل على كل الصعد، بعد لقاءات عائلية وطيبة يملأها الانفتاح والتسامح والحرية، وهكذا تبنى الأوطان”.
وماذا عن المطرانيين المخطوفين، هل من جديد من خلال هذه اللقاءات؟ يجيب “ان جميع اللقاءات مع الرسميين كانت مجالا للتذكير بالمطرانين المخطوفين، وتم التحدث في الموضوع مع الجهات الرسمية بالنتيجة المرجوة، على ان يعودا بيننا في أسرع وقت، بصحة وبسلام ، وأظهر الجميع استعدادهم بنية حسنة للمساعدة”.
وكيف يصف بطريرك الانفتاح مع الشباب، يقول: “الانفتاح مهم جدا، وتحديدا مع جيل الشباب لاعطائهم الشعور بالرجاء والتفاؤل، خصوصا في ظل ما يجري في بلادنا والمنطقة، ولتأكيد ارتباطهم بعائلاتهم وأرضهم وكنيستهم وإيمانهم، وأننا أينما كنا وذهبنا سنبقى على تواصل مع بعضنا، وهذا يهمنا بالفعل، واهمية هذه الخطوة ان تجعلهم لا ينسون بلدانهم وقراهم والأهل، وخصوصا الكنيسة،لأن هذه اللقاءات معهم وفيما بينهم لما كانت حصلت لولا الكنيسة التي تجمع، فكانت مناسبة لحضور أبناء البلد والمسؤولين، وهذا مهم لانه يقرب الأفكار، فنحن عائلة واحدة وبلد واحد ونعيش معاً.
من جهة أخرى، لبّى يوحنا العاشر دعوة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الاماراتي، الى حفلة تكريمية اقامها على شرفه، وعبّر فيها عن سعادته “لما رأى في الامارات من تسامح يتجاوز لغة الشعارات الى لغة التطبيق والممارسة الفعلية”. وشكر للشيخ نهيان الدعم الذي يقدمه الى جامعة البلمند.
ابو ظبي / رلى معوض
النهار