أين مريم؟ أينها يوم القيامة؟ تغيب في النصوص: لا عند القبر الفارغ هي، ولا مع الرسل في العليّة. غابت، فاحتلّت مريم أخرى مكانها: مريم المجدليّة “وأخواتها”.
أليس من المفترض أن تدّلج إلى القبر فجرًا معهنّ، أو بالأحرى هنّ معها، ليطيّبن جسد الربّ المدفون، لتطيّب ابنها، أو على الأقلّ لتزور قبره في اليوم الذي يلي موته (على حسب عادة الشرقيّين)؟ أليس بالحريّ أن يتراءى القائم أوّلاً لأمّه من بعد انبعاثه من الموت، ومن ثمّ للباقيات والباقين من أتباعه؟ تُرى ألم يتمزّق فؤادها ألمًا لمّا رأته على الصليب معلّقًا، مائتًا بلا نسمة؟ ألم تحتج بالتالي لأن تكون أوّل من يتعزّى، ومن تطرب وتتهلّل لقيامة ولدها، كما نرنّم يوم الفصح؟ غياب مريم يوم القيامة فضيحة في الشكل، غير أنّه في العمق روعةٌ في الإيمان.
لم تأتِ القبر لتطيّب ابنها، كي توفّر على نفسها مفاجأة الحجر المدحرج واللفائف المنحلّة. غيرها أتى لأنّه اعتقد أنّ يسوع مات وشبع موتًا، ففوجئ ببشائر القيامة. النسوة أتين وبيدهنّ الأطياب، لظنّهنّ أنّ الوفاء لميت عزيز هو شيمة ما بعدها شيمة. غير أنّ مريم هي غير ذلك. لم تأتِ لأنّ وفاءها في غير مكان، وإيمانها أبقاها في محلّها. من حيث كانت، آمنت بأنّ الطيب لن ينفع، والوفاء في لحظة كهذه ينقلب قلّة إيمان، قلّة إيمان بما سبق ابنها وأعلنه: “في اليوم الثالث أقوم”.
لم تأتِ ولم تُذكر، لأنّ ابنها قائم مسبقًا في قلبها ووجدانها، وإن كانت قد رأته ميتًا قبل يومين. لم تأتِ، لأنّ القيامة حدثت فيها يوم الصلب حتّى. “يا امرأة، هذا ابنك”، قال لها ابنها من على الخشبة. في تلك اللحظة، لا بكاء ولا نحيب على وجهها. ولا دموع في عينيها. مريم لم “تكفّ البكاء”، لأنّها أصلاً ما بكيت. “كانت واقفة” تحت صليب ابنها. شاركته الانتصار بوقوفها. في تلك اللحظة أيقنت أنّها لم تَعد أمًّا لذلك الابن المصلوب وحسب، بل غدت امرأة “فوق نساء العالمين”، تَلِدُ البنين تلو البنين لذلك الابن الأكبر والأوّل.
مريم! في شهر أيّار تطيب فيها المدائح. يلذّ لها أن تسمع السلام من ملايين الأفواه…. “وأنتِ يا نقيّة، اطربي بقيامة ولدك”.
ليبانون فايلز