أيّ مسيح ننتظر؟ هذا السؤال يجدر بالمقبلين إلى الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، ميلاد المسيح بالجسد، أن يطرحوه على أنفسهم. أهو المسيح نفسه الذي ينتظره أهل العيد، أم لكلّ منهم مسيحه الخاصّ به، مسيحه الذي لا يشبه المسيح الأصليّ بشيء؟
كان أهل العهد القديم، قبل مجيء المسيح، ينتظرون مجيء المسيح المخلّص، الماسيّا الذي سيعلن بدء عهد جديد بين الله وشعبه يسوده السلام والبرّ والعدل والإنصاف… فأنبياء العهد القديم كرّسوا في كلامهم عن الأزمنة الأخيرة مكانة هامّة لانتظار مجيء المسيح. أمّا هذا المسيح المنتظر فكانت له، وفق علماء الكتاب المقدّس، صفتان: مسيح ملك في رأي غالبيّتهم، ومسيح كاهن في رأي بعضهم الآخر. وعلى الرغم من حديث الأنبياء في فقرات عديدة من كتبهم عن المسيح عبد الله المتألّم، فقد طغت لدى الناس صورة المسيح الملك الأرضيّ، الملك السياسيّ، قائد الأمّة…
راودت شعبَ العهد القديم عن أنفسهم أحلامُ مجيء المسيح، الملك الأرضيّ الذي سوف يحرّرهم، ويردّ الـمُلك لإسرائيل، ويجعلهم أسياد العالم مخضعًا شعوب الأرض كافّة لهم… لذلك، أصابت اليهودَ الذين عاصروا المسيح صدمةٌ هائلة، إذ رأوا أحلامهم السلطويّة تنهار تحت وقع رؤيتهم مسيحًا قد جاء حملاً وديعًا، سيُذبح من أجل حياة العالم، حملاً ذبيحًا به يبدأ فصح جديد، فصح جديد سماوي افتُتّح بدم المسيح لا بدماء ثيران وتيوس، فصح يدوم إلى الأبد.
تحطّمت أحلام الشعب اليهوديّ على صخرة الواقع الماثل أمامهم بشخص يسوع المسيح الذي عوض أن يردّ المجد الأرضيّ لهم ساواهم بباقي الأمم، فأباد عنصريّتهم وقوميّتهم الدينيّة وتمييزهم البشر ما بين شعب مختار وشعوب غير مختارة. لذلك، قتله رؤساء اليهود لأنّهم رأوا فيه خطرًا على الأمّة التي كانوا ينتظرون منه أن يسمو بها على باقي الشعوب لا أن يساويها بها.
أيّ مسيح ينتظر مسيحيّو بلادي في ذكرى الميلاد هذا العام؟ هل الذي ينتظرونه مسيحٌ على صورتهم، أم المسيح المسيح؟ هل ينتظرون المسيح وفق رؤية معاصريه، أم المسيح كما أظهر هو هويّته، فلم يتوانوا عن التأمر عليه وقتله على الصليب؟ هل ثمّة بيننا مَن سيستقبلون المسيح مولودًا في بيت لحم ثمّ سيشاركون بصلبه لأنّه يخالف طموحاتهم السياسيّة والسلطويّة والعنصريّة؟ هل ثمّة بيننا مَن سيعيّدون ميلاد المسيح لكنّ مسيحهم في مكان آخر حيث جبابرة هذه الدنيا وطغاتها، أو حيث الطامعون بالسلطة بأيّ ثمن؟
مَن نعيّد لميلاده بعد حوالى أسبوع ليس ملكًا أرضيًّا ولا أميرًا ولا سلطانًا ولا رئيس جمهوريّة ولا رئيس حزب ولا رئيس قوم، وليس البتّة قائدًا عسكريًّا أو ميليشيويًّا، ولا وجيهًا في الدنيا ولا ابن عائلة عريقة. هو ابن الله الذي شاء أن يتنازل ويصير بشرًا مولودًا من امرأة فقيرة في مذود حقير. وما على المسيحيّين سوى أن يتذكّروا ما قاله في مسيحهم أمير الشعراء أحمد شوقي في هذه المناسبة المجيدة:
وُلد الرفق يوم مولد عيسى / والمروءات والهدى والحياء
لا وعيد، لا صولة، لا انتقام / لا حسام، لا غزوة، لا دماء