إله الدم والحرق والقتل؟! إله قُطَّاع الطرق؟! إله مَصَّاصي الدماء؟! إله السلب والنهب؟! إله التخريب والسيوف والإرهاب والإرعاب؟! أيُّ إله هذا الذي يُسَرُّ بالمجازر والترمُّل والتيتُّم واقتناص الأبرياء؟؟! إله هؤلاء الذين ذَبَحوا بني جنسي في مجزرة قتل على الهوية؟! وقد انطبق عليهم تفصيليًا قول السيد الرب (أنتم مِنْ أبٍ هو إبليس؛ وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا… ذاك كان قَتَّالاً للناس منذ البدء؛ ولم يثبت في الحق؛ لأنه ليس فيه حق؛ متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له؛ لأنه كذاب وأبو الكذاب) (يو ٨ : ٤٤).
إنهم حقًا أبناء السارق الذي لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك (يو ١٠ : ١٠) يعملون أعمال أبيهم وشهواته؛ مِنْ جَزٍّ وجلد وخطف؛ ناشرين الخراب والدم والعدم في كل الأرجاء.
بالحق لا توجد لغة بها مفردات تستطيع التعبير عن مذبحة الشهداء الأقباط الجماعية في ليبيا اليوم؛ الذين ذهبوا إليها ليبحثوا عن لقمة العيش؛ فإذ بهم يُذبحون ويشهدون شهادة الدم عندما طُلبت منهم!! ويا للعجب اعتبروهم فقراء بينما رجعوا شهداء… ولم يحبوا حياتهم حتى الموت؛ رافضين سِمَة الوحش وعلامته، جاحدين جيشه وعباداته المرذولة، وقد كلفهم حياتهم غير وَجِلين، فسِيقوا كالحُملان أمام من يجزهم؛ وأعطَوْا الحكم للحاكم الذي سيُلبِسهم ثوب الأُرجوان القاني مخضَّبة بالدماء؛ متمسكين بإيمانهم في أرض غريبة؛ وعَبَرَتْ دماؤهم فصحية عبر البحار على أيدي أبناء المعصية.
والآن يارب اذكر عبيدك الذين استُشهدوا في غزوة اليوم. أولئك الذين تقدسوا بتقديم شهادتهم إليك… والذين كبَّلوهم واقتادوهم على شاطئ البحر ليقدموا شهادة الدم فقالوا “ها أنذا” (إش ٦ : ٨)، ولسان كل واحد منهم “ها أنا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله” (عب ١٠ : ٧). إنهم أبرياء ككل شهدائك؛ ولم يجتذبوا عقابًا لأنفسهم؛ بأيَّة إشارة فيها كراهية أو عدوانية؛ لكنهم أطاعوا حتى الموت وحُسِبوا مختارين؛ حينما طُلبت منهم الشهادة ولا زالت على أيدﻱ الأثمة الذين غدروا بهم وذبحوهم؛ لا لسبب إلا لأنهم أتباعك وحاملين صليبك؛ وقد دُعي عليهم اسمك الحسن القدوس المبارك.
سكبوا نفوسهم الغَضَّة وأعمارهم الشابة الصغيرة؛ وصارت دماؤهم وآلامهم خلّاقة؛ لأنها بديلة عنا جميعًا؛ وفِدْيَة عن الكنيسة كلها، وذاع خبر شهادتهم من أقاصي الأرض إلى أقاصيها. كل واحد منهم بإسمه كجماعة وكأعضاء؛ إذ أن دماءهم ثمينة ومقدَّرة في الملكوت وعندنا نحن أيضًا. ونحن نثق أن المبادلة والمشاركة والتلازم العميق يجعلهم يطلبون لأجلنا؛ ويجعل لهم داخل الكنيسة مجالاً أوسع وقوة أكثر فاعلية إذ أنهم أدرى بما نحن فيه. يضمّون صلواتهم مع محفل الشهداء؛ كي نتقوى على معايشة الشهادة اليومية التي لنا ليلاً ونهارًا؛ وفي كل شيء كحقيقة حاضرة.
إن شهادتكم وملاقاتكم للموت والغدر ثم للإهمال والظلم أيها الشهداء الأماجد؛ يخبرنا أن شهادتنا قائمة بطول الحياة وكل يوم؛ وأن موتكم صاحَبَه ميلاد وقيامة. فلا قيمة لكل ما هو خارج عن المسيح إلهنا العنقود العظيم الذﻱ عصروه على الصليب في تحدٍّ للعقل والمنطق والزمن. ولا زال الشيطان وأتباعه يتوهَّمون أنه بالصليب والموت الذﻱ يترصدوننا به ستُقتلَع كنيسة الله؛ لكن مسيحنا الحي وعدنا بثقة الغلبة (ثقوا أنا قد غلبتُ العالمَ).
فثبِّتنا يا ربنا في مواجهة المشتكي والقتّال للناس منذ البدء حتى لا نرجع إلى الوراء – لا تردنا إلى خلف – وحتى لا نترك محراث ملكوت السموات؛ مهما كان الإعصار الهادر؛ المحمَّل بالشك والتجاديف والقتل والمطاعن المسعورة وبالطرد والافتراءات الكاذبة.
لقد غلبتم التعذيب الجسدي والنفسي وكل تهديد ووعيد مميت، وقد مُتُّم ميتاتٍ عديدةً منذ خطفكم؛ لكننا رأيناكم أقوي من قاتليكم بوجوهكم المكشوفة؛ بينما قَتَلَتُكم مكمَّمين متوارين بعار إبليس وجنوده الأشقياء.
إننا نطوِّبكم اليوم لأنكم أُحصيتم في عداد شهداء كأس مسيحنا لقيامة أفضل؛ وقد فزتم بالأكاليل التي لا تضمحل حيث مجد إلهنا. اطلبوا عنا لنكمل بسلام ولنتمثل بإيمانكم إلى النفس الأخير .