نفِدَ صبر البطريركيّة المارونية من طريقة التعاطي معها ونكثِ الوعود بعدمِ المباشرة في ردمِ الحوض الرابع لمرفأ بيروت بلا موافقة المسيحيّين، حتى وصلَ الأمر إلى اعتبار أنّ البعض يتجاهل الإجماع المسيحيّ في قضيّة صغيرة، فكيف الحال بالنسبة إلى القضايا الوطنية الكبرى؟
لم تنجح كلّ محاولات المسيحيين بقيادة بكركي في وقفِ أعمال الردم، وهم اعتبروا من اللحظة الأولى أنّ هذه القضية وطنية بامتياز وتخصّ مرفأ عاصمة كلّ لبنان، لا المسيحيين فقط، وبالتالي حاوَلوا إيقاف هذا المخطّط، معتمدين على دراسات تقنيّة، ولم يبدوا شراسةً في المعارضة، مع أنّ الشراسة في بعض الأوقات مطلوبة، خصوصاً عندما يرفع فريق ما «الفيتو» في وجه أيّ مشروع صغير ويحوّله قضيّة طائفيّة، فيما يتخطّون المسيحيين الذين يحوّلون قضية مسيحيّة، إلى قضية وطنيّة.
دعت بكركي إلى اجتماع عاجل لكلّ الأحزاب المسيحيّة اليوم في الصَرح البطريركي لوضع النقاط على الحروف، لأنّها تعتبر أنّ كلّ الأقاويل التي تدعو المسيحيين للاتّفاق على رئيس للجمهورية «ونحن معكم»، تسقط بعد هذه الممارسات. فإذا تخطّوهم في المرفأ، كيف الحال بالنسبة إلى انتخاب رئيس؟
بعد فشلِ كلّ الاجتماعات الثنائيّة، تُراهن بكركي والأحزاب المسيحيّة على نقلِ الملفّ إلى مجلس الوزراء لأسباب عدّة، أبرزُها أنّهم يلعبون ورقتَهم الأخيرة.
ففي غياب رئيس الجمهورية بات أيّ وزير قادر على عرقلة أيّ قرار، وبالتالي عندما يعرَض الملف على الحكومة سيعارضه وزراء الأحزاب المسيحية، إذا لم تحصَل تسوية سياسيّة أو صفقة ما، وعندها سيسقط المشروع حكماً بالضربة الوزارية. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسَه: هل سيصل هذا الملفّ إلى مجلس الوزراء أم سيُستكمَل نهجُ تخَطّي المسيحيين؟
الغضَب العارم في بكركي من طريقة التعاطي مع المسيحيين يعبّر عنه النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح الذي يعمل على هذا الملفّ، فيقول لـ«الجمهوريّة»: «زُرنا السراي الحكومي منذ أكثر من أسبوع، واتّفقنا على التنسيق في هذا الملف، من ثمّ زارنا مدير المرفأ حسن قريطم في بكركي وقلنا له إنّ اعتراضَنا تقنيّ، وعرَضنا معطياتنا، وهو كشفَ الدراسات، واتّفقنا على وقف الردم حتى انتهاء البحث في التقنيات، وإعطاء الموافقة بعد تذليل الهواجس».
هذا الاتّفاق أراحَ بكركي وأخرجَ الملف من بُعدِه الطائفي، لكنّ المفاجأة كانت في معاودة الردم. ويؤكّد صيّاح أنّهم «نكثوا بوعودهم التي قطعوها لبكركي وللمسيحيّين، وهذا الأمر أغضبَنا، فلماذا يتعاملون مع بكركي والمسيحيين بهذه الطريقة؟ ولماذا تراجعوا عن كلامهم؟».
ويضيف بحزم: «كِلمة المسيحيّين «بدّا» تنسَمع، وعليهم احترام الوعود، فلا يمكنهم تخَطّي المسيحيين، واجتماعنا في بكركي اليوم مع الأحزاب المسيحيّة هو لوضعِ خطّة تحَرُّك، وعندما يقرّرون تخَطّي الإجماع المسيحي، فلكلّ حادث حديث».
ويلفتُ صيّاح إلى أنّ «الرهان هو على طرح الموضوع في مجلس الوزراء لتصحيح الخطأ، لأنّهم لا يستطيعون تخَطّي مرسوم جمهوري، فالمسيحيّون يد واحدة وقلب واحد في هذا الملفّ».
تحرَص الأحزاب المسيحيّة على إبقاء هذا الملف في شِقِّه التقني، وعدم تحويله صراعاً طائفياً. وفي السياق يوضِح وزير الثقافة ريمون عريجي الذي شاركَ في لجنة الأحزاب المسيحية لمعالجة ملفّ مرفأ بيروت، أنّ «الأجواء تشير إلى أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام ووزير الأشغال العامة غازي زعيتر أعطيَا الموافقة على ردم الحوض الرابع، لكنّنا لم نتبَلّغ هذا القرار رسمياً».
ويشير عريجي إلى «أنّنا سنطالب بعرض هذا الملف على مجلس الوزراء للبَتّ به «، مؤكّداً أنّ «الأحزاب المسيحية لا تريد إعطاء هذا الملفّ بُعداً طائفياً». ويلفتُ إلى أنّ «وزير الأشغال العامّة هو مَن يعالج الملفّ، ولن يقفلَ مرفأ بيروت ويفتح مرفأ آخر».
الصرخة المسيحيّة المدَوّية التي تطلقها بكركي تأتي نتيجة ضربِ رأي المسيحيين عرض الحائط، وكأنّ كلمتَهم غير مسموعة، في وقتٍ يؤكّد البعض حِرصَهم على حفظ الدور المسيحي قولاً وليس فعلاً. ففي قاموسهم يتمثّل هذا الحرص بإلغاء دور المسيحيين أو تضييق المرفأ لمَنع هجرتهم مثلاً، فيما هذه القضية أسقطت الأقنعة الطائفيّة عن وجوه البعض.
ليبانون فايلز