– السؤال المطروح ذكي جدًا وغني جدًا ويفتح في الوقت عينه ملفات ومجالات لاهوتية واسعة. سنحاول حصر المسألة في إطار “جواب عالطاير” وذلك من خلال تعداد بعض المبادئ الأساسية للفهم.
1- خلق الله عالمًا بقواعده وقوانينه، وإذا كان قانون الإيمان يقول بأن الله خلق “ما يرى وما لا يرى” تردادًا لتعليم الكتاب المقدس الأساسية، فالإيمان لا ينفي أن للخلائق تطورها وتحولها في سبيل الأفضل كما في سبيل الأسوأ. ومن هنا، فالحشرات المضرة التي تتولد نتيجة التلوث النووي، ما هي إلا تطبيق لقوانين الطبيعة التي وضعها الله. كذلك الأمر بشأن الغدد السرطانية. الكثير من الأمراض المعاصرة هي وليدة الفوضى البيئوية التي ولدناها ونتيجة عدم احترامنا لقوانين الطبيعة.
2- النقطة الأولى ليست كافية لإجابة وافية، لأنها تسلط الضوء على بعد واحد، بعد القوانين الطبيعية التي “يخترقها” الله فقط في حالة الأعجوبة. ولكن من الأهمية بمكان أن ندرك أن الله يحترم “قواعد اللعبة” ولا يتلاعب بخلائقه كدمى. ومداخلاتها العجائبية هي نادرة ورهن حكمته وليست “فرضًا” عليه. وإنما يقوم به في حكمته لخير أسمى، كما وأنه لا يقوم بها بحكمته، لخير لا نستطيع أن نراه فورًا.
3- الخليقة ليست خليقة كاملاً. لقد خلق الله عالمًا في دربه إلى الكمال، وبالتالي، ففي العالم “شر” مادي هو شر النقص. ليس هو شرًا أخلاقيًا (ليس خطيئة)، ولكنه ليس الكمال. إن نص الفصل الثالث من سفر التكوين يتحدث عن هذا الشر معولاً إياه انطلاقًا من الخطيئة الأخلاقية التي يرتكبها الرجل والمرأة. ما المعنى من ذلك؟ معنى أن الكتاب المقدس لا يجد شرحًا وافيًا لهذا النوع من الشر إلا انطلاقًا من الخطيئة، قناعة منه أن خلق الله هو خيّر.
4- الكنيسة تؤمن بأن الله يهب الحياة مباشرة لكل نفس تولد. ما معنى هذا الكلام؟ هل يعني أن الله ينتظر في الغرفة لحظة اللقاح لكي يهب النفس؟ بالطبع السؤال الساخر هو لإظهار كيف أن فهم الموضوع بهذا الشكل هو تفكير أرضي جدًا وأنثروبومورفي لا يليق بالله. ما المعنى من كلام الكنيسة عن خلق الله للنفس مباشرة؟ – يعني أن الله، رغم أنه وضع قوانين طبيعية للتكاثر والتناسل، فإن ولادة حياة بشرية يشكل كل مرة – كما يوضح اللاهوتي الكبير كارل رانِر – قفزة نوعية تفوق الظاهرة الطبيعية وتتصل ضرورة ومباشرة بعالم الروح، عالم الله.
وعليه خلاصة القول: الطبيعة لا تَخلُق ولكنها تساهم باستمرار وتطور عملية الخلق والله يحترم نموها وقوانينها. وفي هذا الإطار يحترم الله طبيعة التناسل بِغضِّ النظر عن “إطارها”. ويفعل الله ذلك لأنه خلق الكون “حرًا” بحرية قوانينه وحرية عباده. الخلق نوع من “إخلاء ذات” يعيشه الله، هو إخلاء الذات الذي يسبق سر التجسد ويتجلى فيه. وهذه الحرية التي يتركها الله في الخليقة والتي قد تشككنا هي تعبير عن جنون حبه الخلاق، فلولا الحرية، لولا إمكانية الـ “لا”، لما كان هناك مجال لـ “نعم” حق أمام الله.
د. روبير شعيب / زينيت