ربما من السذاجة، الطلب من وسائل الاعلام المرئي تحمل المسؤولية الوطنية في هذه الظروف العصيبة والمعقدة التي يعانيها وطننا، حيث لم تعد تنفع المناشدات للتقيد بالقوانين ومواثيق الشرف الاعلامية التي سبق ووقعوها. لكن رغم ذلك، وجدنا ما يحدث حالياً يتخطى المعقول، ويخالف الحد الأدنى من معايير الاداء الاعلامي المحلي والمعايير المعتمدة في أي بلد حر في العالم، ما جعلنا نتجرأ ونرفع الصوت بالأحرف الأبجدية مقابل الإعلام الرقمي Digital Media والتلفزيونات عالية الدقة HD – TV، لأن ما هالنا، هو هذا الكم الهائل وغير المسبوق من المخالفات التي اقترفتها هذه الوسائل في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهر، وساهمت في دعم الأسباب الموجبة لتمديد مجلس النواب لنفسه مرة ثانية، فانضمت الى نادي معطلي الاستحقاقات الدستورية من سياسيينا ووضع أمني، فالنائب الدكتور نقولا فتوش في إحدى فقرات اقتراح القانون المعجل المكرر للتمديد الذي تقدم به، أشار الى أن المادة 68 من قانون الانتخاب معطلة “فبعض وسائل الإعلام لا تمتنع عن بث ما يتضمن إثارة النعرات الطائفية او المذهبية أو العرقية أو تحريضاً على ارتكاب أعمال العنف أو الشغب أو تأييداً للارهاب او الجريمة التخريبية، كما ان بعض وسائل الاعلام لا تمتنع عن بث وسائل الضغط والتخويف أو التخوين أو التكفير”. وقبل تعداد المناشدات والانتقادات الموثقة التي وجهت الى وسائل الاعلام المرئي في أقل من شهر، ربما كان من المفيد تذكير هذه الوسائل والعاملين المتهورين فيها، بأن من واجباتهم المحافظة على النظام العام وحاجات الدفاع ومقتضيات المصلحة العامة (من المادة 7 من القانون 382/ 1994). (إحدى المذيعات تصر على منح الهواء لزميلها أو زميلتها أثناء البث المباشر قائلة: فلان، تفضل، الهواء لك، وكأن الهواء ملكها أو ملك المحطة التي تعمل فيها، وأخرى تحبها حامية، فاستفزت النائب وليد جنبلاط في أثناء زيارته عائلة أحد العسكريين الأسرى في تاريخ 14/ 9/ 2014 بطرحها سؤالا ملغوماً كاد يخرجه عن طوره، فشدّد، وكرّر، وأصر على أن العسكريين هم أبناء المؤسسة العسكرية وليسوا أبناء الطوائف). وفي العودة الى الانتقادات والملاحظات الموجهة الى وسائل الإعلام، سجّلنا التالي: في تاريخ 4/ 9/ 2014 قرر مجلس الوزراء (البند خامساً) “الطلب من وسائل الإعلام التزام الدقة والمصلحة الوطنية في تغطية الأخبار المتعلقة بالعسكريين المخطوفين وعائلاتهم”… وفي تاريخ 5/ 9/ 2014 أصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش بياناً تدعو فيه” وسائل الاعلام الى توخي الدقة في نقل المعلومات، وخصوصاً تلك التي تتسبب بإثارة الخوف غير المبرر لدى المواطنين”، علماً أننا في حالة حرب مع اسرائيل ومع الارهاب، ومن حق الجيش اتخاذ تدابير أقسى في حق المخالفين. وفي تاريخ 7/ 9/ 2014 ناشد الرئيس تمام سلام في كلمته المتلفزة، “وسائل الإعلام اللبنانية كافة، بما هو معروف عنها من وطنية، إيلاء عناية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة الى كل ما يُعرض ويقال على الشاشات وعلى صفحات الجرائد وشبكة الانترنت والابتعاد عن كل ما يثير الحساسيات والمشاعر”. (حذفت بعض الصحف هذه الفقرة؟!) وفي تاريخ 11/ 9/ 2014 (الساعة 15:21) عقد وزير الاعلام اجتماعاً لمديري الاخبار في المؤسسات الإعلامية المرئية وصدر بيان أثر ذلك شدد في نهايته على استبعاد الصور المسيئة والتصريحات المثيرة للنعرات، وعدم إتاحة الفرصة للتكفيريين الإرهابيين بأن يجدوا مساحات لتسويق خطابهم على شاشات التلفزة”… وفي تاريخ 11/ 9/ 2014 قرر مجلس الوزراء “تأكيد الطلب من وسائل الإعلام التزام أحكام القانون وميثاق الشرف الذي التزموه طوعاً… وفي تاريخ 8/ 9/ 2014 وبعد طول انتظار، أصدر المجلس الوطني للاعلام تقريراً مفصلا بالمخالفات التي ارتكبتها القنوات المحلية كافة (عدا محطتي NBN وTL) من 12 الى 16/ 9/ 2014، وهي في رأينا لا تشرِّف، لأنها تضمنت “التحريض الذي يثير الانقسام”، و”الاتهام السياسي”، “ونشر معلومات قبل التأكد منها”… (السؤال أين كان هذا المجلس قبل 12/ 9؟ ولماذا لم يقم بواجباته بالرصد والمراقبة؟ ولماذا لا يحاسب على تقصيره؟ علماً أنه سبق لنا وطالبنا بحجب مخصصاته وتغيير اسمه (“النهار” 15/ 9/ 2008 و11/ 9/ 2013). الاجتماع مع مديري الأخبار لم ينفع، حان الوقت لاستدعاء رؤساء وأعضاء مجالس ادارة هذه المؤسسات، ووضعهم أمام مسؤولياتهم، فإعلامنا المرئي ليس بخير، وبدل أن يكون ثروتنا، صار نقمتنا.
المحامي توفيق رشيد الهندي
النهار