مع كل اشتباك سياسيّ جديد على أرض الحياة اليمنيّة، يكون أهل الإعلام هناك في مقدّمة الضحايا عندما تبدأ لغة الرصاص في احتلال منّصة التحاور بين الأطراف المتخاصمة. ولهذا تبدو مهنة الصحافة في هذا البلد مهنة محفوفة بمخاطر لا حدود لها. ولم تكن الأزمة الأخيرة التي شهدتها مدينة صنعاء بجديدة على صعيد حوادث الاعتداء على أهل الإعلام هناك.
في هذه الأزمة التي أنتجت اعتصامات احتجاجية تلتها مواجهات مسلّحة، اُفتتحت أحداثها منتصف الشهر الفائت بين جماعة الحوثي السياسيّة المنحدرة من منطقة صعدة (شمال صنعاء) من جهة وبين النظام وحزب الاخوان المسلمين من جهة أخرى، كان لافتاً أنّ القطاع الإعلامي الذي استهدفته الاعتداءات كان القطاعين الإذاعي والتلفزيوني بدءاً من جريمة اغتيال الاذاعيّ الشابّ عبد الرحمن حميد الدين في منتصف شهر آب (أغسطس) عن طريق طلقات ناريّة أصابته في الرأس مباشرة. وبعدها بيومين، تم استهداف المخرج التلفزيوني المخضرم إبراهيم الأبيض بعبوة ناسفة وضعت تحت سيّارته لكنّ تم اكتشافها وإبطال مفعولها.
والشخصان ينتميان إلى مناطق تابعة مذهبياً لجماعة الحوثي. لكن مع اشتداد الأزمة وانتقالها إلى مستوى المواجهات المُسلّحة التي دامت طوال الأسبوع الفائت، نجحت جماعة الحوثي في التقدّم عبر عناصرها ومحاصرة مبنى التلفزيون الحكومي الذي يضم ثلاث قنوات فضائية ويطل على ساحة اتخذها الحوثيون مركزاً لاعتصام عناصرهم. وبطبيعة الحال، تحيط بالجبل الذي يقيم ذلك المبنى عليه فرق عسكريّة مهمتها حمايته باعتبار التلفزيون موقعاً سيادياً لأي دولة. لاحقاً قال الحوثيون إن جمهور المعتصمين التابعين لهم تعرضوا لإطلاق نار من مبنى التلفزيون ما دفعهم للردّ. ثلاثة ايّام من القصف المتواصل أجبرت نقابة الصحافيين اليمنيين لإطلاق نداء استغاثة والسماح لعربات الإسعاف بالصعود إلى المبنى. من جهته، أدان الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين جيم بوملحة “الهجوم المروّع على مؤسسة إعلام حكومية في اليمن” وطالب زعيم الحوثيين بـ “إدانة هذا الهجوم المشين، وإلا سيُعتبر مسؤولاً بشكل شخصي عن هذا الاعتداء”. وانتهى الهجوم بسقوط مبنى التلفزيون بكامله في أيديّ الحوثيين بعد سقوط نحو خمسين عاملاً بين قتيل ومصاب، ولم تحدّد بشكل نهائي هوية هؤلاء الذي كانوا متواجدين في المبنى أثناء تعرضه للقصف وتوقف البث نتيجة احتراق المولد الكهربائي التابع له. في وقت لاحق، أعلن ناطق رسمي لجماعة الحوثي في تصريح له “التلفزيون تحت سيطرتنا”. أمّا بخصوص الضحايا فقال “كان من الأجدى على موظفي التلفزيون عدم ذهابهم إلى عملهم”. وأضاف محمّد عبد السلام مخاطباً الاعلاميين “إننا نحترم رأيهم ولا نخشى الرأي الآخر”. وقال ان الحوثيين يأخذون على قناة «اليمن» الرسمية عدم حياديتها في التعاطي مع القضايا الموجودة على الساحة اليمنية.
وبعد سقوط التلفزيون في أيدي الحوثيين، توجهت قواته مساء الأحد إلى مبنى إذاعة صنعاء الذي لم تلاق في محيطه أيّ مقاومة تُذكر، ما أدى للسيطرة عليه من دون سقوط ضحايا. حالة استدعت توقف البث لفترة قصيرة قبل أن يعاود مجدداً بعدما قام الحوثيون بتسليم المبنى لقوى رئاسية خاصة، وهو الأمر نفسه الذي حصل في حالة مبنى التلفزيون.
وقد توقفت المواجهات المُسلّحة بين الأطراف المتخاصمة بتوقيع اتفاق سياسي بينها في وقت متأخر من ليل الأحد في حين لن يجد الإعلاميون الضحايا الذين سقطوا في هذا الاعتداء، من سيصلّي عليهم أو يتذكرهم.
جمال جبران / صنعاء / الأخبار