اش البابا القديس يوحنا بولس الثاني حياة استثنائية. فمنذ نجاته ككاهن شاب في بولندا من أعمال الشيوعية الوحشية في الخمسينيات وصولاً إلى مرحلة تحوله إلى الحبر الأعظم المحبوب الذي جذب مئات آلاف الحشود، كان أحد أشهر الناس وأكثرهم تأثيراً في جيله.
لكنه وسط هذا الواقع، لم يفقد لمسته الشخصية. على سبيل المثال، بعد أن أطلق محمد علي أغا النار عليه في محاولة لاغتياله سنة 1981، قام البابا لاحقاً بزيارته في السجن ليغفر له شخصياً. عُرف أيضاً أنه كان يتوجه إلى الجبال في فترة شبابه من أجل المشاركة في رياضات روحية مع مجموعات صغيرة من الأصدقاء أو أبناء الرعية حيث كان الوقت وافراً من أجل بناء العلاقات الشخصية.
كذلك، التزم بالحفاظ على العلاقات الشخصية، حتى عندما كان يرزح تحت وطأة المسؤوليات المتزايدة المتعلقة بخدمة الكنيسة. ومن الرائع أن رجلاً عظيماً مثل يوحنا بولس الثاني كان ينجح في إيجاد وقت للقاءات الشخصية في حين أنه كان من السهل أن ينشغل بأمور الفاتيكان ونشاطاته.
بالمقابل، يبدو أن كثيرين منا يفقدون الرغبة في تخصيص وقت للصداقة. طبعاً، تساهم وسائل التواصل الاجتماعية على طريقتها في بناء روابط بين الناس، لكن الإنسان الصادق يعلم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليس مشابهاً للمحادثات وجهاً لوجه. لهذا السبب، يقول كثيرون أنهم يرون أن عصرنا الرقمي يجرّد من الصفة الإنسانية.
وهناك عوامل كثيرة أخرى تُبعدنا عن التواصل مع الآخرين منها طريقة انقسامنا بين “فريقين” أو الطريقة التي تستهلك بها أيام العمل الطويلة كل طاقتنا. ومن السهل أن تمضي أياما كثيرة من دون حصول أي تواصل بشري حقيقي.
يوحنا بولس الثاني مذهل لهذا السبب. فبسبب انشغالاته الكثيرة، كان من الممكن أن يكون عدد أصدقائه المقربين ضئيلاً أم أن يعاني للبقاء على تواصل مع الناس. لكن هذا لم ينطبق عليه. ولطالما شعر الناس الذين التقوا به أنه كان يوليهم اهتماماً تاماً. كان يتعمّد التواصل مع الآخرين ويبذل جهداً للتعرف إليهم. باختصار، كان هذا الرجل العظيم يوضح من خلال عبقريته وكتبه وتعاليمه نقطة بسيطة تغير الحياة وهي أن كل شخص يستحق أن يُحَب.
والمثال على ذلك جليّ في الطريقة التي عاش بها يوحنا بولس الثاني حياته. المشكلة مع التقدم التكنولوجي أو تسييس كل شيء أو الاستثمار كثيراً في العمل ليست برأيه في كونها تتخطى بعض الحدود الفلسفية، بل في كونها تحول الناس إلى أشياء.
في سبيل التعرف إلى شخص ما، لا بد من التوقف وتمضية بعض الوقت للتواصل معه شخصياً. وحياة القديس يوحنا بولس الثاني تُظهر أن الحياة السعيدة لا تستند على الالتزام بإيديولوجية معينة أو إثبات أننا محقون أو ناجحون، بل تستند على الناس. لكل إنسان أهميته. لكل إنسان قيمته. والتواصل والصداقة هما السبيلان لاحترام هذا الواقع.
أليتيا