عندما ازداد عدد الرهبان المجتمعين حول القدّيسين أنطونيوس (ليس أنطونيوس الكبير) وثيودوسيوس إلى درجة أنّ المغاور تحت الأرض لم تعد تتسع لهم قرّر القدّيس ثيودوسيوس رئيس الدير إنشاء كنيسة حجرية كبيرة مكرّسة لوالدة الإله.
قصّة إنشاء كاتدرائية رقاد والدة الإله
اجتمع الناس وأصبحوا يتناقشون فيما بينهم حول اختيار مكان مناسب لبناء الكنيسة. وفي ذلك الوقت كان يمرّ من هناك الأمير سفياتوسلاف الذي سمع كلامهم فأشار لهم إلى مكان مناسب في حقل مملوك له وصلّى وبدأ يحفر شخصياً في ذلك المكان.
في ذلك الوقت حدثت معجزة كبيرة دوّنها القديس نسطور صاحب المدوّنة التاريخية للافرا المغاور. جاء إلى القديسين أنطونيوس وثيودوسيوس أربعة رجال أغنياء وهم معماريون من القسطنطينية وسألوهما: “أين تريدان إنشاء الكنيسة؟” فأجابا: “حيث يشاء الرب”. فاستغرب الضيوف: “قد أعطيتما لنا كثيراً من الذهب، وحتى الآن لم تختارا المكان وخاصة أنه تم إخباركما باقتراب أجلكما!” فدعا القدّيسان جميع الإخوة وسألا الضيوف البيزنطيين عن معنى هذا الكلام.
فحدّثهم المعماريون القصّة التالية: “كان كل واحد منا يستريح في بيته عند الفجر وفجأة ظهر أمامنا شبّان أشكالهم منيرة قائلين: “الملكة تدعوكم إلى فلاخيرنا!” فجئنا إلى هناك مع أقربائنا وأصدقائنا ورأينا الملكة وحولها جنوداً كثيرين فسجدنا لها. وقالت لنا: “أريد إنشاء كنيستي في روسيا، وآمركم بأن تأخذوا الذهب بحيث يكفيكم لمدة ثلاث سنوات”. فسجدنا لها قائلين: “أيتها السيّدة الملكة، إنّك ترسليننا إلى بلاد غريبة، فإلى من نتوجّه هناك؟” فأجابت مشيرة إليكما: “إلى أنطونيوس وثيودوسيوس هذين”. فقلنا: “لماذا نأخذ الذهب لمدة ثلاث سنوات؟ ليستضفنا أنطونيوس وثيودوسيوس عندهما، أما مكافأتنا فتحدّدينها بنفسك”. ولكن الملكة قالت: “إن أنطونيوس بعد أن يبارك بدء هذا العمل سينتقل إلى الحياة الأبدية، أما ثيودوسيوس فبعده في السنة القادمة. وأنا سآتي بنفسي لأرى تلك الكنيسة وسأسكن فيها”. فأعطتنا ذخائر من رفات القدّيسين وارتسم شكل الكنيسة في الهواء لنراها وسألناها عن اسم الكنيسة فأجابت: “أريد تسميتها باسمي”. ونحن لم نتجرّأ أن نسألها عن اسمها فقالت: “هي كنيسة والدة الإله”. وكذلك أعطتنا إيقونتها لتكون إيقونة الكنيسة. فسجدنا لها وذهبنا إلى بيوتنا حاملين هذه الإيقونة.”
ومجّد الجميع الله، وقال القدّيس أنطونيوس: “يا أبنائي، إننا لم نترك هذا المكان”. ولكن البيزنطيين أصرّوا وهم يحلفون: “إننا أخذنا هذا الذهب من أيديكما في حضور شهود كثيرين، ورافقناكما إلى السفينة وبعد شهر انطلقنا متوجّهين إلى هذا المكان”. فقال أنطونيوس: “يا أبنائي، إن المسيح وهبكم نعمة كبيرة وأنتم منفذو إرادته. إن أولئك الشبان الذين رأيتموهم هم ملائكة قدّيسون، والملكة في فلاخيرنا هي سيّدتنا الكلية الطهارة والدة الإله. مبارك هو مجيئكم!”
فانحنى البيزنطيون أمام القدّيسين وسألوهما عن مكان مناسب لبناء الكنيسة. فأجاب أنطونيوس: “نصلّي ثلاثة أيام والربّ يشير لنا إليه.” وفي الليل عندما كان أنطونيوس يصلّي ظهر له الرب قائلا: “إنك وجدت نعمة عندي”. فقال أنطونيوس: “يا رب، إذا كنت قد أرضيتك فأرجو أن يسقط الندى على كل الأرض إلا المكان الذي أنت تقدّسه لبناء الكنيسة”. وفي الصباح وجدوا مكان الكنيسة جافاً وباقي الأرض قد غطّاها الندى. وفي الليلة التالية كان القديس أنطونيوس يصلي: “لتكن كل الأرض جافة وليغطّ الندى مكان الكنيسة”. فكان كذلك. وفي اليوم الثالث وقف القديس أنطونيوس في المكان المشار إليه وصلى وباركه ورفع يديه إلى السماء قائلا بصوت عالٍ: “أصغِ إليّ يا رب! استجب لي بنارك ليعرف الجميع أن هذه هي إرادتك!” فنزلت النار من السماء وأحرقت كل الأشجار والعشب في المكان وظهرت في الأرض حفرة فبدأوا يحفرون هناك. وسقط الجميع على الأرض من الخوف.
كل ذلك كان في عام 1073 وبعد ذلك بقليل انتقل القديس أنطونيوس عن هذا العالم بحسب قول والدة الإله وعمره 90 سنة، أما القديس ثيودوسيوس ففي سنة 1074.
وبعد الانتهاء من بناء الكنيسة في سنة 1078 بقي البناؤون البيزنطيون في دير المغاور كرهبان ليقضوا فيه بقية حياتهم وأسّسوا هناك مرسم الإيقونات الذي اشتهر بتزيين كنائس مختلفة في كييف. وبعد قليل من الوقت تمّ إنشاء قلالي رهبانية حول الكنيسة فتشكّل هناك دير كبير حيث أنّ كل الإخوة انتقلوا من المغاور إلى المكان الجديد.
أصبحت الكنيسة جاهزة للتكريس في عام 1088 بعد انقضاء 15 سنة على تأسيسها. كانت تتميّز بروعة لا توصف في مظهرها الخارجي وتزيينها الداخلي إلى درجة أنّه كانوا يسمّونها بالكنيسة المشابهة للسماء، وذلك بحسب الوثائق التاريخية. كان الأيقونسطاس وجدرانها تلمع ذهباً ومزيّنة بالفسيفساء، والصليب على قبّتها كان من الذهب الخالص. ” تمّ تكريس الكنيسة في عام 1089 في اليوم الموافق لعيد رقاد والدة الإله.”
من كتاب سيَر آباء المغاور
أليتيا