” وبَينَما يَسوعُ يُكلِّمُ الجُموعَ، جاءَتْ أمُّهُ وإخوَتُهُ ووقَفوا في خارِجِ الدّارِ يَطلُبونَ أن يُكلِّموهُ. فقالَ لَه أحَدُ الحاضِرينَ أُمُّكَ وإخوتُكَ واقفونَ في خارجِ الدّارِ يُريدونَ أنْ يُكلِّموكَ. فأجابَهُ يَسوعُ مَنْ هيَ أُمّي، ومَنْ هُمْ إخْوَتي ؟ وأشارَ بـيدِهِ إلى تلاميذِهِ وقالَ هؤُلاءِ هُمْ أُمّي وإخوَتي. لأنَّ مَنْ يعمَلُ بمشيئةِ أبـي الَّذي في السَّماواتِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي”.
التأمل: “لأنَّ مَنْ يعمَلُ بمشيئةِ أبـي الَّذي في السَّماواتِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي…”.
ان كلمة ” أخ ” في اللغات السامية تدل على الاخوة أي أبناء أم واحدة أو أب واحد، وتدل أيضا على الاقارب (الاخ الذي لم تلده أمك)، كما لفظة( Mon Oncle أو My Uncle ) تعني عمي أو خالي أو أي رجل يكبرني سنا.
انطلق يسوع من العائلة الطبيعية النواتية – الصغيرة الى العائلة الاوسع – الاشمل، العائلة البشرية من كل الالوان والاجناس والطبقات، حتى من كل الاديان، أما الرابط بين كل هؤلاء فهو مشيئة الآب السماوي الذي خضع لها يسوع بذاته في بستان الجتسمانية، عندما عرق دما من شدة الالم وقرر لمرة واحدة وبشكل نهائي متوجها الى الاب قائلا بحزم وعزم قاطعين: “لتكن مشيئتك لا مشيئتي “.
ترك يسوع العشيرة وما يشد أفرادها الى بعضهم البعض من عصبيات عمياء – قاتلة، على الرغم من التكوين العشائري، القوي والمتين في العالم الشرقي آنذاك . كسر القيد الاولي من روابط غرائزية تقوم على نصرة القريب ظالما كان أو مظلوما، سابقة لاختياره الحر والواعي . اسس لعهد مبني على الخيار الفردي الذي يكون بملء العقل والارادة والحرية الذي يجعل من الانسان حرا كاسرا حد السيف بالعقل ومنطق “السن بالسن والعين بالعين” بلغة الحب البطولية المتجلية على الصليب.
أراد يسوع تأسيس عائلة جديدة متضامنة مع بعضها بشكل عضوي، وليس بشكل آلي – غرائزي، ما يجمعها هو العمل بمشيئة الاب السماوي، ليكون هو الاب لهذه الجماعة الذي يضخ فيها دائما أسباب الحياة وقوة مقاومة الاندثار والانكسار والانتحار، فهي جماعة لا يمكن أن تزول لأن ” قوات الجحيم لا تقوى عليها”. من هنا نفهم لماذا ذكر يسوع الاخ والاخت والام ولم يذكر الاب، فالعائلة الجديدة التي يعمل أفرادها “بمشيئة الاب” تجتمع في حياة أخوية رائعة لأن أباهم واحد وهو الله.
ستهلل المحبة ويرنم الرجاء في لقاء تلك العائلة، لقاء الاحبة، في يوم السماء..
نهار مبارك
أليتيا