الرياضي المثابر مايكل حداد، الذي تتجسّد برجليه المشلولتين إرادة الحياة الحقيقية، تقرير أجنبي قديم عن لبنان الأخضر والجمال والنظافة والأمان والسهر والفرح… وفيلم «الفتاة التي في القطار» الآسر بقصته وصورته وإخراجه، وبعينيّ إيميلي بلانت… ثلاثية حرّكت الحواس والحياة في النفوس في افتتاحٍ مميّز لمهرجان بيروت الدولي للسينما. الإنسانية، الشغف، المثابرة، الحنين، الجمال… الركض نحو الحياة أو السفر في قطارٍ مسرعٍ نحو مغامرة أو لحظة شعور، هذه الأحاسيس كمشت الحاضرين ولفّتهم.
افتُتحت الدورة 16 لمهرجان بيروت الدولي للسينما مساء الأربعاء، برعاية وزارتي الثقافة والسياحة، وفي حضور وزير الثقافة ريمون عريجي، المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك، رئيسة مهرجان بيروت الدولي للسينما اليس اده، مديرة المهرجان كوليت نوفل، وأعضاء لجنة التحكيم، ومهتمين واعلاميين في سينما VOX في السيتي سنتر، الحازمية.
إثارة عقلية
تستمرّ الدورة السادسة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما (BIFF) لغاية الثالث عشر من تشرين الأول الحالي، بين سينما Montaigne (المعهد الفرنسي في بيروت – طريق الشام)، وصالات «غراند سينما» في مجمع ABC – الأشرفية وسينما VOX في السيتي سنتر، الحازمية.
ويُعرَض ضمن هذه الدورة 76 فيلماً، بينها 31 شريطاً قصيراً، وتتضمّن أفلاماً لأهم المخرجين العالميين حصدت الجوائز في المهرجانات السينمائية الدولية، ومنها مهرجان «كان». وتتطرّق إلى أبرز القضايا الاجتماعية والإنسانية والسياسية في المنطقة العربية والعالم.
إفتتاح المهرجان كان بفيلم «الفتاة التي في القطار The Girl on the Train» للأميركي تيت تايلور، عن رواية الكاتبة باولا هوكينز، وهو من بطولة البريطانية إيميلي بلانت.
يحكي الفيلم قصّة حياة رايتشل واتسون «السكيرة» (إيميلي بلانت) بعد الطلاق، التي تتقاطع سكة قطارها وحياتها مع قصة تشبه قصتها، أو هكذا يتهيّأ لها… لحين حدوث جريمة قتل.
يقف الفيلم على حافة الإثارة والتشويق التي تجعل المشاهد يتوقّع في كلّ لحظة أن توقعه نحو هاوية الرعب. الرعب الذي يظهر في نهاية الفيلم، نهاية غير مكشوفة وواضحة من بدايته، وهذا مفتاح كمش القصة للمشاهد من بداية الفيلم إلى نهايته… إلى ما بعد نهايته. قصة عميقة، ساهم أسلوب إخراجها بزيادة عناصر قوّتها.
فيلم يحرّك الأفكار والمشاعر… في باطن اللاوعي، في باطن العقل، وفي باطن القلب… إيميلي بلانت تؤدي الدور بطريقة أخاذة، عيناها تجتاحك بسكرها وسحرها.
الخلل النفسي، الخيانة، توتر العلاقة بين الزوجين، عدم القدرة على الانجاب، اهمال الأم الذي يؤدي إلى موت طفلتها، الغيرة، التملك، الهوس، العنف، آثار السكر… قضايا عميقة في فيلم يظهر كيف تخرج الضغوطات الشرّ الكامن داخل الانسان. فيلم يطرح الكثير من الأسئلة ويجعل المشاهد يطرح الكثير منها أيضاً.
أن تغرس الزوجة السكين في عنق زوجها وهو يُحتضر، فتوغل السكين أكثر فأكثر لتتطاير الدماء… خطر الحقد والانتقام عند «الانسان»… لـ»داعش» أشكال كثيرة، ولها أسباب كثيرة.
إرادة مايكل حداد
تتوزع الأفلام التي يتضمّنها برنامج المهرجان، على مسابقتَي الأفلام الشرق أوسطية القصيرة والأفلام الشرق أوسطية الوثائقية، وفئتان خارج المسابقة هما «البانوراما الدولية» و«جبهة الرفض»، والأخيرة مؤلفة بمعظمها من قسم «الساحة العامة»، إضافة إلى قسمين، أحدهما للأفلام التي تُعنى بالبيئة، والثاني للأفلام التي تتناول موضوع الغذاء.
ويترأس لجنة التحكيم التي ستختار أفضل الأفلام في ختام المهرجان الممثل والمخرج اللبناني الأصل كارلوس شاهين، وتضمّ اللجنة مديرة الاتصال والاعلام في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ندى دوماني، والصحافي والناقد بيار أبي صعب.
وكانت قد سلّطت مقدمة حفل الافتتاح الممثلة بياريت قطريب الضوء على الموضوعات التي تتناولها الأفلام التي ستعرض خلال المهرجان، كالهجرة، النزوح،، الإرهاب والحروب الأهلية، تجارة الأعضاء والناس والاستعباد الجنسي وقضايا المثليين.
وتمّ قبل عرض فيلم الإفتتاح، عرض وثائقي قصير مدته ثماني دقائق عن مايكل حداد، الذي تحدّى إعاقته بإنجازات رياضية، وأصبح سفير الأمم المتحدة للتغير المناخي، ويستعد راهناً للسير مسافة 100 كيلومتر في القطب الشمالي.
ومن ثمّ ألقى حداد الذي حضر الافتتاح رغم خضوعه أخيراً لعملية جراحية «أضعفت قواه»، كلمة تحدّث فيها عن مثابرته رغم تعرضه لإصابات بالغة في عموده الفقري في عمر الست سنوات، ما اضطره للبقاء طوال حياته على الكرسي المتحرك، إلّا أنه بعزمه وإصراره عاكس الواقع وتمكن من السير مجدّداً ومن تحقيق الإنجازات الرياضية المتتالية، مؤكّداً أنّ مَن يملك الإرادة يستطيع تحقيق كلّ شيء.
لبنان قبل الحرب
ومن خارج المسابقات يسلط المهرجان الضوء على 6 أفلام قصيرة قدمتها وزارة السياحة، تتناول الحياة في لبنان ما قبل اندلاع الحرب عام 1975. وسيتمّ عرض هذه الأفلام قبل عدد من عروض الأفلام الروائية، وعُرض أحدها قبل فيلم الإفتتاح، ما دغدغ حنين الكثيرين من الحاضرين. البحر النظيف، المناظر من «تلفريك» جونيه حيث الجبل الأخضر «على مد عينك والنظر»، المسابح، النشاطات… إعجاب وآراء الصحافيين والأجانب بلبنان وبيروت، مفخرة لربما لن يستعيدها الكثير من الأجيال.
وألقت المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك كلمة شرحت فيها أنّ الأفلام القصيرة الستة التي وفّرها المجلس الوطني للسياحة، تمثل شهاداتٍ حيّة بالكاميرات عن لبنان المذهل في الستينات من القرن العشرين، مشيرة إلى أنّ وزارة السياحة حفظت هذه الأفلام ورمّمتها بعد جهود كبيرة، وهي تظهر صوراً ومشاهد تعكس حبّ اللبنانيين للحياة. وأعلنت أنّ هذه الأفلام هي في متناول الجميع وستكون متوفرة لخدمة أيّ مشروع.
من جهتها، شكرت مديرة المهرجان كوليت نوفل مصرف «سوسييتيه جنرال» على «دعمه الدائم والثابت للمهرجان وتشجيعه». كما شكرت وزارتي السياحة والثقافة وكلّ الداعمين. ويبدو أنّ مقصّ الرقابة طاول بعض الأفلام التي كان من المُقرّر عرضها خلال المهرجان، فأصدرت إدارة «مهرجان بيروت الدولي للسينما» بياناً قبل ساعات قليلة من الافتتاح، أعلنت فيه، أنها «تبلّغت من السلطات الرسمية المختصة عدم إجازة عرض فيلم «أمور شخصية» للمخرجة الفلسطينية مها حاج، كما سيتمّ استبعاد فيلم «كأس العالم» للأخوين السوريين محمد وأحمد ملص، إذ إنّ السلطات اشترطت للسماح بعرضه حذف مشاهد منه، وهو ما رفضته إدارة المهرجان.
وحتى الآن، لم يحصل «ليالي شارع زايندة» للمخرج الإيراني محسن مخملباف على إجازة العرض».
راكيل عتيق
الجمهورية