استضاف “منتدى الأربعاء” في مؤسسة الإمام الحكيم مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الأب الدكتور عبدو أبو كسم، في حضور فاعليات دبلوماسية ودينية واعلامية.
وقال ابو كسم في محاضرة القاها :”تشرفت اليوم بتلبية دعوة مؤسسة الإمام الحكيم الكريمة لنعرض وإياكم قراءة شاملة لواقع مسيحيي الشرق، في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، والظروف الفوضوية إذا صح التعبير، التي تبدل المعالم الديمغرافية تحت ستار ما سمي بالربيع العربي الذي هو في الواقع كان إعصارا ما زال يضرب شمالا ويمينا، ولن يهدأ برأيي إلى أن يبدل معالم المنطقة ويرسم حدودا جديدة تظهر ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي سيخدم أولا وآخرا مصالح الدول الكبرى في المنطقة ومن ضمن هذه المصالح حماية واستقرار دولة إسرائيل”.
وعرض أبو كسم مجموعة من التساؤلات التي أضاء بها “على ما يعانيه هذا الوجود من انتكاسات وحروب وتنكيل منذ الفتح الإسلامي إلى خطر الزوال في المنطقة، وما يعانوه من اضطهاد منظم من خلال التعدي عليهم، مما يؤدي إلى مزيد من التضامن في ما بينهم وهو ما يعزز الخوف لديهم ويدفعهم إلى الهجرة”، متسائلا عن دورهم في لبنان وكل دول الشرق الأوسط، ولعلها أسئلة تصول وتجول في بال كل إنسان مسيحي من أبناء هذه المنطقة”.
وذكر “أن المسيحيين ليسوا بطارئين على هذه المنطقة، فهم أهل الأرض، والمسيحية انطلقت من فلسطين ولبنان مرورا بسوريا وانطاكيا. مع انتشار الدعوة الإسلامية، تراجع الوجود المسيحي العربي، فبعضهم أسلم وبعضهم خضع للجزية وبعضهم تمسك بالمسيحية، إلى أن زالت المسيحية من شبه الجزيرة العربية مع حكم الخلفاء الراشدين، وطرد مسيحيو نجران على الرغم من أنهم وقفوا إلى جانب المسلمين في قتالهم ضد الفرس”.
واشار الى انه “بعد الفتح الإسلامي حقق المسيحيون نجاحات كبيرة، وذلك بفضل ما كفل لهم الإسلام من حرية الحياة والتملك والعقيدة، واحتل المسيحيون مواقع مرموقة في الدولة الإسلامية، وتولوا حركة التأليف والنسخ والترجمة والعلوم والطب والتجارة.ثم تعرض لأسباب هجرة المسيحيين من المنطقة ودوافعها بدءا مما تعرضوا له عبر التاريخ على أيدي الخلفاء بدءا من تحويل الكنائس إلى مساجد مرورا بمنعهم من احتفالهم بأعيادهم خارج بيوتهم، ولم تحترم ملكيتهم وكنائسهم وصولا لتحديد طول الصلبان وحجمها وأمرهم بهدم كنيسة القيامة”.
وتحدث أبو كسم “عن واقع المسيحيين في دول المشرق العربي، وشدد “أن المسيحيين هم أبناء هذا المشرق الأصليين، كانوا دائما شركاء أخوانهم في أوطانهم، وقفوا معهم في ثوراتهم ضد المحتل الأجنبي، كما كانوا رواد النهضة العربية، لهم دورهم الأساس في النمو الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في دولهم ومجتماعتهم”.
وقال:”أمام هذا الواقع المرير أصبحنا أمام تحديات يجب علينا مواجهتها منها:
أ – الديمغرافيا والهجرة:
إن نسبة النمو السكاني عند المسلمين بشكل عام هي أعلى من نسبتها عند المسيحيين، وإن نسبة الهجرة عند المسيحيين أكبر بكثير من الهجرة عند المسسلمين. وللهجرة أسبابها، منها: انعدام فرص العمل، عوامل اقتصادية واجتماعية، تأمين التعليم، الدراسة في الخارج، الوضع الأمني، والخوف من التطرف الديني.
ب – الإرهاب التكفيري:
على المسلمين المعتدلين أن يلعبوا دورا مهما في مواجهة الإرهاب التكفيري وعليهم أن يقتنعوا أن من مصلحتهم المحافظة على الوجود المسيحي المشرقي وإلا إذا هاجر المسيحيون وتم إفراغ هذا الشرق من المسيحيين الفاعلين، عندها يتعزز الانقسام السني الشيعي وسيخوضون حرب إفناء مع بعضهم البعض حتى تتفتت المجتمعات إلى طوائف ومذاهب وقبائل وأعراف.
عندها يحصل مشروع الدولة اليهودية العنصري على مبرراته الواقعية ويسهل طرد العرب مسيحيين ومسلمين من داخل الكيان الإسرائيلي.
ثم طرح مقترحات وحلول لمواجهة هذا الواقع فرأى “أنه على المسيحيين كما على المسلمين أن يحافظوا على هذا التنوع من خلال تثبيت مقومات وجودهم، أمام الانحسار العددي لدى المسيحيين، وصعود الخطر التكفيري واحتدام الصراعات العرقية والمذهبية والدينية في العالم. لذا على المسيحيين العمل للخروج من هذا المأزق وأن يعمل مع أنظمة دولهم (التي تخطت مسألة الربيع العربي) باتجاه عقد اجتماعي جديد، يقوم على سيادة القانون والحكم الدستوري والمساواة والعدالة والديمقراطية، والحريات وعلى رأسها حرية المعتقد والرأي والتفكير والتعبير، هذه الحريات التي نص عليها الإعلان العالمي الحقوق الإنسان”.
وقال:”كما عليهم أيضا أن ينخرطوا مع المسلمين المعتدلين جانبا إلى حنب في مواجهة أنظمة القمع والفساد. وفي هذا المجال يتوجب على المسيحيين القيام بمهمتين برأي غير مستحيلتين”.
المهمة الأولى: إقناع الشريك المسلم المعتدل عبر اللقاءات المباشرة والحوارات ووسائل الإعلام أن الغرب لم يعد مسيحيا وهو في كل ممارساته الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية، وفي دعمه المطلق واللامحدود للاسرائيليين، ولأنظمة الفساد والإفساد لا يعبر عن قيم وأهداف مسيحية وبالتالي لا يمكن في أي شكل من الأشكال ربط حروبه واعتداءاته ومؤتمراته بالمسيحية أو بالمسيحيين (مثل العراق).
المهمة الثانية: مواجهة النظرة السلبية السائدة في الدول الغربية ضد الإسلام والمسلمين أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تحالف موضوعي بين قوى مسيحية مشرقية وقوى إسلامية وقوى إسلامية معتدلة، إذ أنه من الضروري توعية المجتمعات الغربية على أنه لا يمكن النظر إلى الدين الإسلامي، إلا من خلال تعاليم القرآن الذي هو دين الرحمة والتسامح وليس بالنظر إليه من خلال الفتاوى والخطابات والعنف والإرهاب الذي يقوم به بعض الجماعات تحت عناوين إسلامية”.
وختم:”رسالتنا إلى المسلمين هي رسالة محبة وانفتاح وعيش مشترك للتخلص من كل أنواع التعصب والتطرف، ورسالتنا أيضا تؤكد على أن الإسلام والمسلمين هم عنوان للسلام والحوار”.
ثم تلا المحاضرة مداخلات.
وطنية