الكنيسة بيت الله ومسكنه وموضع حضوره وسط جماعته “شعبه”؛ حيث يحضر بجلال بهائه مع خاصته… الكنيسة هي عروسه المقدسة التي بلا عيب. إنها كالقمر تستمد نورها من شمس البر الإلهية لتنير ليالي العالم؛ وتهديه لنور الثالوث القدوس، وبها يعيش ويحيا الجنس الإلهي المختار والكهنوت الملوكي الأمّة المقدسة والشعب المبرر – “شعب اقتناء” – يخدمونه ويسبحونه ويمجدون عظمته… يتغطون بالخشوع والمخافة كالشاروبيم والسيرافيم يغطون أنفسهم ليحلّقوا معه؛ كي لا تُرى لهم هيئة؛ إذ أنهم لا يقفون أمام مرايا؛ ولا يُسرّون بأنفسهم؛ حاسبينها كلا شيء؛ لأنهم في المقابل يتلذذون بحضور القدير.
الحاضرون في الكنيسة إما أن يرتفعوا إلى السموات؛ أو أن السموات تحل على الأرض؛ فيكونوا كالقيام فيها؛ إذا ما وقفوا في هيكله المقدس… وعندما يترنمون ويسبحون؛ فذلك ليكونوا سماويين أو شبه سماويين؛ مملوءين من حضرة الله ومعروفين لديه ومتلألئين في عينيه.
وجودنا في الكنيسة لهُوَ لنا كرامة وبركة؛ تستلزم الاحتشام وخشوع المخافة؛ بسبب الغاية التي نحن من أجلها مجتمعون؛ حيث يكون الثالوث القدوس هو محط أنظارنا وهدف شركتنا مع جماعة المؤمنين أعضاء جسد المسيح، ومع سحابة القديسين… لا شيء يحوِّلنا عن جمال اللقاء وغنى رائحته الذكية وأدهانه الطيبة؛ عبر تيار الروح القدس الرب المحيي.
جمال كنيستنا في أننا (نحن) بيته؛ وفي كوننا حجارته الحية المرصوصة؛ نقيم بمستشفاه طالبين الشفاء وأدوية الخلاص؛ مجتمعين بجمال روحي وهندسة الفضيلة التي هي أهم بما لا يقاس من جمال المبنى ومعماريته وفخامة مواده وخاماته… جمال كنيستنا في معناها ثم في مبناها.. جمالها في أن يكون رمزها وواقعها حقيقيًا ومتطابقًا؛ كي تحفظ العالم من الفساد؛ وتسنده بصلواتها “الأواشي”، كخزانة للحق؛ لأنها وُجدت لتُكَنْسِن العالم؛ لا ليُعَلْمِن العالم الكنيسة.
جميعنا مُمَيْرَنُون ومدشنون ككنائس حية، ممسوحة نفوسنا لمليكنا. لذا من العيب أن نهين مقادس العلي بالثرثرة والتصفيق أو أية أحاديث أو مضامين لا تتصل بالعبادة الليتورچية… الكنيسة ليست مسرحًا وليست منتدىً ثقافيًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا تجاريًا؛ لأنه حيث تكون الكنيسة يوجد روح الله؛ وحيث روح الله توجد الكنيسة وتقوم كل نعمة… إنها طاهرة كالشمس والقمر؛ وهي أم جميع المسيحيين، متقدمة في الأيام ومخلوقة قبل كل شيء؛ وقد خُلق الكون من أجلها.
عندما ندخلها نكون عند باب السماء؛ نقبّل ترابها وأبوابها وأعتابها وأيقوناتها وهياكلها؛ لأن الرب ربنا هو صاحب الهيكل والساكن فيه… وفيها نعيش المستقبل في الحاضر الآني؛ مترقبين وصولنا للوطن الأفضل… لا بالبهرجة والاحتفاليات والطرب والإعلانات وعناصر تفنن وجذب العالم؛ بل بفهم وعيش ومعرفة خبرة لاهوت الكنيسة والعبادة والأسرار، ودراسة الكلمة الإلهية؛ كدهر سرﻱ زاخر بالطاقات السرية، ومجال ووسط فريد للروح القدس.
خافوا الكنيسة ومجّدوها بمهابة؛ لأنها فقط مقتصرة على المؤمنين… ادخلوا إليها بوقار وحشمة وسجود؛ وابقوا دائمًا في احتراص، فهي محل سكنىَ العليّ (مز ٤٦ : ٤)، وكل من يحتقرها يموت موتًا؛ إذ لا خلاص لأحد خارجها، ولا يستطيع أحد أن يقول أن الله أب له؛ ما لم تكن هي أمه… لذلك لا يتكلم فيها أحد مطلقًا؛ بغير كلام العبادة القانونية، أو خارج عما تدعو إليه الضرورة.. كذلك لا ينطق أحد فيها إلا بأقوال الله والحمل التي هي أنفاس القديسين… من يفعل ذلك ينجو والعكس بالعكس.
فهل نسينا أنها بيت الحمامة (الروح القدس)؟؟!! وهل نسينا التحفِّي فيها؛ لأنها (بيت مخلوع النعل) (تث ٢٥ : ١٠) من أجل قداستها وحضرتها، فيُسرّ بحجارتها عبيد الرب وينحنوا عند أعتابها؟؟!! هل نسينا أنها حظيرتنا ومرعانا وفُلكنا ومركب إنقاذنا؟!! هل نسينا أن حياة الكنيسة فردوسية ومغروسة وسط هذا العالم كمثال الملكوت على الأرض؟!!
إن السيد الرب جالس فيها على كرسي مجده؛ ويملأ الهيكل، ومن حوله الأجناد والطغمات يسبحونه بالتقديسات؛ حيث تهتز أساسات العتب، ويمتلئ البيت من بخور صلوات القديسين؛ أولئك الفرحين مع كل القائلين إلى بيت الرب نذهب، لتقف أرجلهم في دياره، ويدخلوا بفرح التسبيح والترنم؛ محسوبين مع الصديقين الداخلين إلى باب الرب؛ طارحين كل الأتعاب على عتبة بيته؛ الذﻱ ينبغي له التقديس طول الأيام.