خبرة النبي ارميا ورسالته هي من أعمق الرسالات والخبرات في الكتاب المقدس. فهو النبي الذي يعلن مصير الشعب ومستقبله وبحضوره وطريقته وحياته نفسها يعلن مشيئة الله، حتى وإن كانت هذه المشيئة لا تعجب الشعب أو السلطة ومرات كثيرة لا تعجبه هو أيضا.
النبي يعلن التوبة وأهمية الرجوع للرب، يحذر من مستقبل قاتم ولكن الجميع يرفض هذه الكلمة ويفضل كلمة مدح و تأييد، فيبقى وحيدا (15/17). منذ البداية حاول الانسحاب من الرسالة فيقول: “لا اعرف أن أتكلم لأني ولد” (1/6). فيشجعه الرب ويقول له: “لا تخف من وجوههم، فاني معك لأنقذك” (1/8). هذه الكلمات وان كانت مشجعه يبقى رنينها مرعب في قلب ارميا. ويتوالى الصراع من جديد في هذا القلب المحطم حتى نجده يلعن اليوم الذي ولد فيه بل ويلعن بالأحرى الرجل الذي بشر بولادته. فيقول:”لماذا ولدت؟ لأرى فقط المشقة والحسرة وتنتهي حياتي في الخزي والعار؟ (20/18). بالفعل يرذله الجميع، حتى أهل بيته وشعبه (12/6 – 20/10)، يلقى في السجن وينفى إلى مصر، يُنهي حياته في ارض بعيدة ولن يحفظ احد ذكرى قبره.
هذا حقيقي! لا نعرف مكان قبره ولكن ذكرى حياته ستحفظ وتظل جرس إنذار لا يتوقف صداه مدى الأجيال، من عصره إلى عصرنا والى من بعدنا. نعم يظل ارميا “رجل الكلمة”. تلك الكلمة التي كان يلتهمها (15/16) فكانت له سبب فرح وأيضا سبب حزن عميق (23/9). في وقت كانت له معزية ومقوية وأوقات كثيرة كالمطرقة. نعم، يظل ارميا “رجل الكلمة، الكلمة المرفوضة”. هذه الخبرة توصله الى يقين وقناعة فريدة ينقلها عن فم الرب ” مَلْعونٌ الرَّجلُ الَّذي يَتَّكِلُ على البَشَر ويَجعَلُ مِنَ اللَّحمِ ذراعاً لَه وقَلبُه يَنصَرِفُ عنِ الرَّبّ” (17/5). نعم خبرة ارميا هي تجرد من الأشياء والأشخاص حتى يتحد فقط بالرب ومعه بالعالم اجمع.
لكن من هو ارميا؟ اختير من بطن أمه؟ من هو هذا الشخص الذي يرفض الدعوة والرب يستغويه فيقول: “استغويتني يا رب…. فتركت نفسي استغوى” (20/7).
Zenit