من جديد يستمر الكتاب ويعطي لنا معلومة جديدة عن رسالة ارميا:” كانَت إِلَيه كَلِمَةُ الرَّبِّ في أَيَّامِ يوشِيِّا بنِ آمون، مَلِكِ يَهوذا ” (1/2). يوشيا الملك هو من أفضل وأصلح الملوك الذي ملكوا على يهوذا. معنى اسمه “الرب يعطي، الرب يشفي”. حاول العديد من المرات أن يمنع عبادة الأوثان وإزالتها من البلاد، وتحطيم كل الهياكل المصنوعة لها. كان يحلم بإعادة مجد الشعب إلى ما كان عليه أيام داود. ولكنه مات وعاد الوضع الى ما هو عليه من قبل:عبادة أوثان وظلم اجتماعي.
بدأت رسالة ارميا في عهد هذا الملك واستمرت حتى بعد موته فكانت أول 18 سنة من رسالته في عصره وكانت هذه فترة سعادة للنبي، لأنه بطريقة او بأخرى كان مقبول من الملك وكان متفق معه في دعوته. ولكن بعد موت الملك وملك ابنه يوياقيم تغيرت الأحوال، وتغير وضع ارميا.
نعم بداية ارميا كانت سعيدة وسهلة ولكن الصعوبات تأتي بعد. يتفهم ارميا ذلك بعد وقت طويل، يدرك أن الرسالة تستمر أيضا حتى عندما يتغير الوضع ويصبح مرفوض، فالرسالة لا تنجح فقط عندما تقبل من الآخرين، بل تثمر ثمارها عندما ترفض. سر كبير، لا يفهمه إلا من تلقى عقلية المسيح المصلوب، والذي بسبب رفض العالم له صلبوه، فخلصهم. سر الرفض، هذا الحجر المرذول الذي تركه البناءون. ارميا يفهم هذا ولكن مع الوقت فيقول: “استغويتني يارب، … فتركت نفسي استغوى”. يقول ارميا للرب، لو كنت أدرك هذا منذ البداية لكنت هربت، ولكن أنت جذبتني وراءك، أظهرت نفسك لي فلم أرى من حولي من صعوبات. الرب لم يخدع ارميا لأنه منذ البداية قال له: “هاءَنَذا قد جَعَلتكَ اليَومَ مَدينَةً حَصينةً وعَموداً مِن حَديد وأَسْواراً مِن نُحاس على كُلِّ الأَرض على مُلوكِ يَهوذا ورُؤَسائِه وكهَنَتِه وشَعبِ الأَرض ، فيُحارِبونَكَ ولا يَقوَونَ علَيكَ لِأَنِّي مَعَكَ، يَقولُ الرَّبّ، لِأُنقِذَكَ” (1/18-19). الرب لم يخفي الصعوبات على ارميا، ولكن اظهر له مجده معها، فغابت تلك الصعوبات ولكنها لم تختفي، ستعود كي يستمر ارميا ان يبحث عن مجد الله، عن هذا الجمال الذي يستغويه حتى بين أشواكه.
ارميا يحتاج الى نضوج، كي يساعد الشعب ان ينضج. على هذا الولد، كما يقول هو عن نفسه، ان يكبر. الرّبّ يُحضِره، ويجعل من حياته صورةً ونموذجاً لكي يفهم تدخل الرب في حياته كشعب. نعم دور ارميا ليس فقط ببساطة قول شيء ما من عند الرّبّ، وما اسهل ذلك!! دوره الأساسي هو ان يترك حياته بين يدي الرّبّ.
يدعو الرب ارميا من اجلنا نحن اليوم، كي ندرك ان حياتنا وان كانت تمر بصعوبات لا يعني أن الرب غاب عنها لا يعني أن الرب قد تركنا ولكن يعني أن الوقت حان كي ننضج ونختبر هذا الرب وسط الآلام، وسط الصعاب. رائع ان نختبر حب ورحمة الله أثناء الهدوء والسلام والراحة ولكن أروع وتقريبا شيء الهي ان نختبره وسط الصعوبات. تلك النسمة التي تمر وتخترق النفس فتؤثرها وتحتويها، وتميل بها الى نهر الكلمة، تقربها من حبيبها، والذي لمن اجله خلقت، لشخص المسيح. فتجد معه راحة وسلام لم تختبره من قبل. لذلك نستطيع القول ان ارميا هو النبي المحبوب. كيف؟
Zenit