افتتح بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يوم الاثنين الثالث والعشرين من تموز يوليو 2018 السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وذلك في مقر الكرسي البطريركي في دير سيدة النجاة – الشرفة، لبنان. وفي كلمته الافتتاحية، قال البطريرك يونان “بالروح المجمعية (السينودسية) المعروفة بـ “الشركة الأسقفية” التي تتميّز بها الكنائس الشرقية، نجتمع لكي نتحمّل سويةً أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، متضامنين ومتّحدين حسب وصية المعلّم الإلهي، راعينا ومثالنا، فنتبعه بأمانة ونقتدي به بالتواضع وبذل الذات”. وإذ أشار إلى المواضيع التي ستتم مناقشتها ومن بينها “الأوضاع الراهنة في أبرشياتنا في الشرق وبلاد الانتشار؛ الخدمة الأسقفية؛ عودة المهجّرين إلى قراهم ورعاياهم في أبرشيات سوريا والعراق اللتين نُكبتا بسبب الاضطرابات والحروب العبثية في السنوات الأخيرة؛ كنائس الانتشار، الواقع والتحديات”، قال البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان نقلا عن الموقع الإلكتروني لبطريركية السريان الكاثوليك “نعقد مجمعنا اليوم وكلٌّ منّا لا يزال يحمل في أعماق نفسه المعاناة التي تحمّلها شعبنا السرياني في السنوات الأخيرة. جميعنا مدعوون كرعاةٍ إئتمنهم الرب على خدمة شعب الله، أن نبذل كلّ جهد، ونسعى لتحقيق الآمال التي تعقدها علينا كنيستنا، إكليروساً ومؤمنين، في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ مشرقنا العزيز، ومدعوون للتجاوب بروح الأبوة والحكمة والمصداقية التي ترضي ضمائرنا، مع تطلّعات الرعية المؤمنة حسب قلب الرب “المعلّم والراعي الصالح”، الذي يذكّرنا من خلال ضعفنا ومحدوديتنا ونقائصنا أنه “بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً!” (يو 15: 5(.
وأضاف غبطته أنه”إزاء الخضّات المخيفة التي تحمّلها شعبنا، رفعنا ولا نزال نرفع صوتنا إلى العالم مستنكرين النكبات التي حلّت بشكل خاص بكنيستنا السريانية في الأعوام الماضية، والتي أدّت إلى اقتلاع عدد كبير من أبناء شعبنا من أرض الأجداد في سوريا والعراق. نكبة تكرِّر مأساة الإبادة التي حلّت بأجدادنا منذ مئة عام! فلا التقاريرُ الإعلامية ولا النظريات التي تعرضها المؤتمرات في البلدان والمنظّمات والجامعات، حول أسباب القلاقل في منطقتنا قادرة على طمأنتنا. ما حلّ بنا من انتهاك خطير لحقوقنا المدنية قد هزّ كياننا الإنساني والمجتمعي والحضاري، ونكاد جميعاً قد اختبرنا مآسي تشرّد آلاف العائلات من شعبنا، وبينهم أقرب الأقرباء لنا. نسمع بعضهم يقول لنا إننا لسنا وحدنا المعذَّبين والمضطهَدين. نعم، لا يخفى علينا ما يعانيه الأبرياء من سائر المكوّنات الدينية أو العرقية من استهداف ظالم في بلدان الشرق الأوسط، ولا نتغافى عن أعمال العنف والمضايقات التي يتعرّض لها المسيحيون في أكثر من بلد، تحدّ حرّياتهم الدينية حتى في البلاد التي تتسمّى بالديمقراطية. لكنّ الصراعات والفتن نالت من شعبنا السرياني نصيباً أكثر من أيّ شعب آخر، وجعلته هدفاً سهلاً ولقمةً سائغة للإرهاب الديني الذي لم يُعرَف له مثيل في عصرنا بسبب الفتن وغياب الأمن!“
أشار البطريرك يونان في كلمته إلى أنه “ولكي نقلّل من التداعيات الخطيرة لهذه الأوضاع المضطربة على شعبنا، في أبرشياتنا ورعايانا، يدعونا الرب يسوع لعيش خدمتنا الأسقفية في الوحدة والشراكة فيما بيننا، بروح المسؤولية والأمانة لله وللكنيسة”، وأضاف غبطته أنه “علينا أن نُبدع بالمحبّة الفاعلة، فنشعر مع إخوتنا الأساقفة الذين تحمّلوا الكثير، ونكتشف احتياجات أبرشياتهم، إكليروساً ومؤمنين، ونتجاوب معهم بقدر ما أولانا الرب من مواهب وإمكانيات.” وقال البطريرك يونان “نهنئ مواطنينا وكل اللبنانيين على إجراء الإنتخابات النيابية خلال شهر أيّار المنصرم، في جوٍّ من الديمقراطية وقبول الآخر. وفي المرحلة الحاضرة، حيث بات من الضروري الإسراع في تشكيل الحكومة الفاعلة، فإننا نكرّر، من موقعنا الروحي والراعوي، صرختنا إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ودولة الرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة الجديدة ورؤساء الأحزاب المسيحية، بوجوب تمثيل طائفتنا السريانية الكاثوليكية في الحكومة الجديدة، لتحقيق المساواة بين مكوّنات هذا الوطن الحبيب الذي قدّم أبناؤنا أرواحهم فداءً عنه.” وأضاف غبطته يقول “كما لا يسعنا إلا أن نطلق صرخةً إلى جميع القيّمين على شؤون الناس، لمعالجة الأزمات الإقتصادية التي طالت كلّ فئات المجتمع اللبناني، إذ بات من الصعب على الكثيرين تأمين معيشة كريمة يستحقّونها. هذا بالإضافة إلى المعاناة التي تواجهها مدارسنا الخاصة في متابعة رسالتها التربوية في ظلّ غلاء المعيشة، وانعدام ثقة المواطن اللبناني بالمدرسة الرسمية. وبديهي أنّ مدارسنا لن تستطيع الإستمرار بتأمين أفضل مستوى تعليمي بأقلّ كلفة مادّية، ما لم تجد الدولة حلاً جذرياً يؤمّن حقوق المعلّمين ولا يشكّل أعباءً جديدةً على كاهل الأهل أو المؤسّسات التربوية. أضف إلى ذلك استفحال مشاكل القروض الإسكانية التي توقّفت مؤخّراً، وبات مستقبل الآلاف من الشباب اللبناني في بناء عائلات جديدة مهدَّداً بشكل جدّي، وهذا ما سيؤدّي، ما لم تجد الدولة الحلول الناجعة، إلى ازدياد حالات الهجرة للطاقات الشبابية في وطننا، الأمر الذي سيحوّل لبنان دولةً عجوز في هرمها السكّاني”.
هذا وأشار بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان إلى أحداث هامة عرفتها البطريركية منذ ختام السينودس في السنة الماضية، ومن بينها لقاءات عديدة مع قداسة البابا فرنسيس، كان آخرها لقاء مسكوني في السابع من تموز يوليو الجاري في باري بإيطاليا، وخلاله صلّى المجتمعون “ضارعين إلى الرب أن يحلّ سلامه في مشرقتنا المعذب”؛ إضافة إلى المؤتمر العالمي الأول للشباب السرياني الكاثوليكي، لبنان، ما بين 17-22 تمّوز 2018. وأشار إلى أنه “من خلال هذا اللقاء نتطلّع إلى المستقبل برجاء وإيمان، فنولي رعوية الشباب أهمّية خاصة. ونرى أنه من الضرورة أن نعيّن كاهناً مع لجنة في كلّ أبرشية، مسؤوليتها الأولى مرافقة الشباب في آمالهم وهمومهم وعيشهم دعوتهم الإيمانية”. وفي ختام كلمته مفتتحًا السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، قال البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان “إخوتي الأجلاء، جميعنا مدعوون كي نشرّع قلوبنا لتستقبل أنوار الروح القدوس. من هذا الروح، كمال وحدة الآب والإبن، نستمدّ قوّتنا، ومنه نستقي إلهاماتنا، وبواسطته نتعزّى. هذا الروح الذي به ندعو الله “أبّا”، قادرٌ دون شك أن يجدّد فينا صورة معلّمنا الإلهي “الراعي الصالح”، فينعش خدمتنا الأسقفية للنفوس الموكلة إلينا، بالإلتزام الصادق، وبالأمانة التي لا تتردّد، وبالمحبّة التي لا تميّز”.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن أعمال السينودس تستمر حتى السابع والعشرين من تموز يوليو 2018.
إذاعة الفاتيكان