افتتح المركز التربوي للبحوث والانماء، بالشراكة مع المجلس الثقافي البريطاني في لبنان ومعهد المواطنة وإدارة التنوع في مؤسسة “أديان”، مؤتمرا بعنوان “تعليم التاريخ في لبنان: الواقع الراهن خبرات وتطلعات”، برعاية وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال الياس بو صعب، ممثلا برئيسة المركز التربوي للبحوث والانماء الدكتورة ندى عويجان، في فندق كراون بلازا – الحمرا – بيروت، في حضور سفير بريطانيا هيوغو شوتر، مديرة معهد المواطنة وادارة التنوع في مؤسسة “اديان” الدكتورة نايلة طبارة، مديرة المجلس الثقافي البريطاني دونا دونا ماكغاوين وحشد من ممثلي المؤسسات التربوية والاساتذة المختصين وطلاب.
طبارة
بعد النشيد الوطني كانت كلمة للدكتورة طبارة، قالت فيها: “يسر معهد المواطنة وإدارة التنوع في مؤسسة “أديان” التعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء والمجلس الثقافي البريطاني حول موضوع تعليم التاريخ في لبنان، هذا الموضوع الساخن دائما، لأهميته في بناء ثقافة وطينة مشتركة أو هدمها”.
اضافت: “نحن سعداء في هذا اليوم الذي يجمع ثلة من المؤرخين والتربويين والباحثين للتفكر في تاريخ موحد لا يأتي على حساب التنوع واختلاف وجهات النظر بل مبني عليه، ولا يأتي من خلال تبسيط الوقائع بل من تعقيدها والعمل على إعطاء الطلاب الأدوات اللازمة لمقاربة الاختلاف والتعقيد في زمن التبسيط المفرط وتفشي الأحادية الفكرية.
إن مؤسسة أديان التي طورت شعار “التنوع يبني الوحدة” تعمل من خلال معهد المواطنة وإدارة التنوع للسنة الخامسة على التوالي مع المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية والتعليم العالي على استراتيجية وطنية لتطوير التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع في المناهج الرسمية، وذلك بدعم من الحكومة البريطانية. وقد تم تطوير شرعة وطنية ومن ثم منهج رديف، ومن بعده بدأ العمل على منهاج الفلسفة والحضارات وكتبه وخدمة المجتمع والتربية المدنية. ونحن سعداء اليوم أن نشارككم في هذا التفكر حول مادة التاريخ لما لها من دور مباشر في بناء المواطنة الحاضنة للتنوع”.
واوضحت ان “المواطنة الحاضنة للتنوع مبنية على مبدأين:
– أولا، مبدأ تثمين التنوع: إن كان تنوع مكونات المجتمع الثقافية والدينية أو اختلاف وجهات النظر الذي تبنى عليه ديناميكية الشراكة بدلا من مبدأ الانصهار.
– ثانيا، مبدأ المشاركة الفاعلة المبنية على الحس النقدي والمسؤولية والتواصل المستمر بين المختلفين في المجال العالم: إذ أن أحد تعريفات المجال العام هو المجال الذي يلتقي فيه الغرباء ليشتركوا بالتساوي والتفاعل والتواصل المستمر في بناء الواقع”.
اضافت: “وبالتالي، فإن ما ستفكرون به اليوم يصب بشكل مباشر في وضع أسس لإرساء هذين المبدأين في مقاربة التاريخ. فتساعدون في الإجابة على الأسئلة التي نطرحها، مثال:
“كيف ندرج عدة وجهات نظر في تعليم التاريخ، خاصة تاريخ النزاعات؟”، “كيف نحرص على أن يكون التاريخ تاريخ جميع مكونات المجتمع، كما والتاريخ الشعبي لا فقط تاريخ الغالب أو النخب أو المكون الثقافي أو الديني الأكبر عددا؟”، “كيف نحرص على تعليم تاريخ الذهنيات؟”، “كيف نقارب الذاكرة الفئوية وكيف نساعد التلاميذ على قراءة الروايات الجماعية؟”، “كيف نعزز التفكير النقدي وقراءة المصادر التاريخية في إطارها وكيف نعزز تحليل المراجع ضمن ذهنية بيئتها؟”، وغيرها من الأسئلة.
وختمت: “صحيح أننا نعمل في ما يسمى مجتمعات ما بعد النزاع، إلا أنني أظن أن هذه المقاربة والأسس المنهجية التي ستعملون عليها اليوم مهمة إن كان في إطار مجتمعات عاشت نزاعا أم لا، كما أؤمن بأن هذا العمل يحمل بوادر ليس فقط للبنان ولكنه ممكن أن يشكل منهجية للبلدان العربية المجاورة”، موجهة الشكر للمركز التربوي للبحوث والإنماء على الثقة الدائمة والمجلس الثقافي البريطاني على هذه المبادرة، و”أشكركم مسبقا على يوم غني نأمل أن يصبح تاريخيا في بناء منهاج جديد لمادة التاريخ في لبنان”.
ماكغاوين
اما مديرة المجلس الثقافي البريطاني، فقد نوهت بمشاركة المجلس في المؤتمر المخصص لتدريس التاريخ في لبنان، بالتعاون مع CERD، اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري”.
وقالت: “نحن هنا بعد اسبوع على انتخاب رئيس للبنان، بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي، ونحن ايضا على ابواب انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة الاميركية، وبذلك سيتم صنع التاريخ. نحن في خضم تغيرات كبيرة في العالم وهذه هي اللحظات التي يجب على اولادنا واجيال المستقبل ان يتعلموها في الفصول الدراسية المقبلة”.
واكدت “أن معظمنا هنا يقدر قيمة دراسة التاريخ، ويعترف بأن ما نتعلمه في المدرسة يشكل مجتمعنا في المستقبل. نحن ايضا نعي مدى اهمية ان يكون النهج والمنهج الدراسي مشجعا على التسامح والاحترام المتبادل لوجهات النظر والخلفيات المختلفة”.
ورأت “ان مبدأ التعلم من الماضي ومن التاريخ اساسي لخلق مستقبل افضل وهو واحد من اهداف المجلس الثقافي البريطاني، بالتعاون مع شركاء معنيين بخلق مجتمعات اكثر تسامحا”، لافتة الى “ان الصراعات تنشأ من عدم الثقة وسوء الفهم، ودور المجلس الثقافي البريطاني هو المساعدة على بنائها مع الشركاء”.
عويجان
وألقت عويجان كلمة راعي الحفل الوزير بو صعب، فقالت: “الحوادث المتراكمة والحروب الداخلية والخارجية التي ألقت بظلال كثيفة على حياة اللبنانيين، انعكست تعقيدات وصعوبات على كتابة تاريخ لبنان الحديث، وجعلت بعض المفاصل في حياتنا موضوع جدل كبير. فاختلفت المقاربات لجهة تفسير أسباب كل حادثة وذيولها، وأصبحت ذاكرة اللبنانيين المثقلة بالدم وبالخلافات الفكرية والعقائدية والمصلحية، عاجزة عن الخروج بطرح موحد يرضي الإجماع اللبناني، ما أعاق كتابة التاريخ بكل تجرد وموضوعية”.
اضافت: “إن الدستور اللبناني نص على أن يكون لنا كتاب تاريخ موحد، يستند إلى منهج مفصل، ويأخذ في الإعتبار هواجس اللبنانيين، لكي يكون التاريخ مصدرا للعبر التي نتوقف عند معانيها ومغازيها بكل عمق وتبصر، فلا نقع بمثل تلك الحوادث المؤلمة والمدمرة مرة أخرى”.
ورأت “ان النظرة الاكاديمية التربوية لتعليم مادة التاريخ في لبنان تستدعي منا مقاربة تعليمية تسهل عرض المراحل بكل موضوعية وشفافية، لإنجاح عملية التعليم والتعلم فتصبح المادة تاريخا للحياة، ومنطلقا نحو التأسيس لوطن أفضل، يتعرف فيها المتعلم على تاريخ وطنه بمره وحلوه ويستفيد أبناؤه من أخطاء الماضي ليبني في ذاته مهارات ومواقف تعزز صون الوحدة ضمن التنوع اللبناني الغني”.
وقالت: “إن هذا الأمر يتطلب خوض تحديات كبيرة تستدعي إرادات وطنية جدية، وقرارا سياسيا للافراج عن المنهج الموحد، والانطلاق نحو تأليف الكتب بمقاربة حديثة وشيقة مدعمة بالأنشطة التفاعلية البناءة. إننا في ظل الأحداث الأخيرة، وتولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية على يقين أن هذه المعضلة على طريق الحل. فبوصول رجل قوي، منفتح، لجوج عادل ذو رؤية واضحة إلى الحكم لا بد أن نعمل معا على بناء المواطن المدرك لتاريخه لكي يتمكن من الانطلاق منه إلى المستقبل الأفضل”.
واكدت “ان الشراكة الفاعلة التي تجمعنا مع المجلس الثقافي البريطاني ومعهد المواطنة وإدارة التنوع في مؤسسة “أديان” تبشر بثمار جيدة، حيث يستند الخبراء إلى معارف وتجارب وخبرات تساعد على مواجهة التعقيدات بفكر منفتح، وضمن إطار تعليمي ينطلق من الواقع الراهن بكل صعوباته نحو تطلعات هادفة، تضع المتعلم في رأس أولويات العملية التعليمية التعلمية وتسخر الطرائق والوسائل من أجل تحقيق الأهداف التربوية وجعل المادة أكثر جاذبية وفائدة في الحياة اليومية”.
وختمت: “إنني إذ أحيي مجددا جهود فريق العمل في المركز التربوي للبحوث والإنماء والمجلس الثقافي البريطاني ومؤسسة أديان، على التطرق لهذا الموضوع البالغ الأهمية، آمل ان تسمح الظروف بإصدار منهج التاريخ الموحد بمقاربة عصرية، في القريب العاجل”.
وطنية