سألوني مقالاً عنونوه “الآخرون” قلت ما الآخرون؟ بماذا أفرّق نفسي عنهم ان كنت أحبّهم؟ أنا لا أريد شيئاً غير الحب. انه يعطيني الفهم. أنت تبقى مئات السنين في الجدل لأن العقل دائماً يفصل بين الناس. إذا أحببت ترى نفسك واحداً معهم ولا تحتاج إلى مفاهيم بشرية لتحب. هذا من القلب والقلوب متصلة. اذهب إليهم وقل هاأنذا يقبلونك لكونك ذهبت إليهم أي لأنهم عرفوك قريباً. إذا ألغيت المسافة تصير منهم. أين يستقبلونك؟ هل من استقبال إلاّ في القلب؟
في القلب وحده تحل المشاكل لأنه يلقى القلب الآخر ويصيران واحداً. هل ترى الآخر آخر إن صرت تحبه؟ الفهم يأتي بعد ذلك. العقل يكرس القلب. لا يميتك القلب أبداً ان كان طاهراً.
ما أتت لفظة القلب بمعنى المشاعر البحتة كما نفهمها اليوم. جاءت في العهد القديم بمعنى الفهم. التناقض بين العقل والقلب ليس من الحضارة الشرقية. هذا موقف غربي. في المزامير القلب يعني دائماً الادراك العميق عند الانسان وهذا يتجاوز مجرد الشعور.
هناك ناس آخرون إن أقمت مسافة بينك وبينهم أي إذا لم ترَ وحدة بين قلبك وقلوبهم. فاذا أحببتهم تضمهم اليك وتفنى المسافة. القلب إذاً هو المدى الجامع وينتهي اذ ذاك تعداد القلوب.
الآخر من اختلف معك فجعلته آخر. أما إذا اختلف وظل محباً فما المشكلة؟ العقل ترتيب مفاهيم إلاّ إذا فهمناه شرقياً. اذ ذاك يكون هو والقلب واحدا. لست أظن ان الفلسفة اليونانية كان فيها هذا التفريق بين العقل والقلب كما فعل ديكارت. الأقدمون كانوا واعين وحدة الانسان. العرب أيضاً قبل دخول الفلسفة اليونانية إليهم كانوا يجمعون بين الشعور والعقل.
الآخرون هم من لا تحب. تجعلهم آخرين بالتحليل العقلي. أما إذا أحببت فهم معك ومنك. في مقارنة لاهوت كنيسة بكنيسة أخرى واضح انك اذا أحببت تذلل الصعوبات أي لا ترى الفارق بين القلوب وما اخترعته العقول لتنفصل.
البشر أمة واحدة. إذا ضمهم قلبك اليك يصيرون منك وتصير أنت منهم. وهم واحد في الله أي إذا عرفوه. إذا رأيتهم قائمين في الله لا ترى ألوانهم أو لغاتهم وحتى إذا رأيت اختلافهم عنك في الدين تجمعهم اليك وإلى الله بالمحبة. اذ ذاك لا تراهم آخرين.
الآخر المختلف إن أحببته تراه واياك واحداً. أحبب ولا تخف. المحبة تنتشلك دائماً من ضعفاتك. في الاخير هي الثقة بالله. أحبب كل من تراه ولا تسأل عن هويته. أنت له بأمر من الله وليس بسبب من حسناته. قد لا ترى فيه حسناً كبيراً ولكنك تفتح له قلبك لان الرب أمرك بذلك. إذا وجد انسان في طريق حياتك اخدمه ولا تسأل عما يقول عنك. لا يهمك رأيه فيك حتى تحبه. أنت له بسبب ما أوصاك الله. عندئذ لا يبقى آخر. يصبح أخاك أو يصبح منك وأنت منه.
عقلك مختلف عن عقول الناس. يعجبونك عقلياً أو ذوقياً أو لا يعجبونك. تتخطى عقلك وعقولهم. لست مضطراً ان تعبر بالعقول حتى تحب. ويطلب الله منك ان تضم إلى صدرك من يجذبك اليه بطبعه ومن لا يجذبك. أنت ترى الله قائماً فيه. وجه الله يغطي وجهه ان كان قبيحاً. لا تسع إلى جمال عند أحد. أحببه ولو كان قبيحا في كل شيء. هذا أمر من الله الذي لا ينظر إلى جمال في الخلق أو الخلق ليحب. فاذا كانوا كلهم ابناءه فهم أخوتك أنت والبشر جميعاً عائلة الله.
النهار