يَجمع الأباتي رعيدي بين العمل الإنمائي والوطنيّ، يُشرف على أمور الرهبنة، ولا يشجّع الحركات التي لا تأخذ في الاعتبار الدولة ويشدد على سياسة الانفتاح، ويعتبر أنّ المقاومة ليست سلاحاً فقط بل تطال كلّ المجالات.
ويُبدي رعيدي انزعاجه من اختزال الدنيا والوطن والدولة بالمقاومة الحربية، ويعتبرها جزءاً من حياتنا وليس كل شيء، لأنّ اهتمامنا بها وإهمال الإقتصاد والتطوّر يجعلنا ضعفاء ورهينة الدول الخارجية، عربية كانت أم أجنبية. وبالتالي، نقفل الباب على أنفسنا ونُعزَل. لذلك، فإنّ الدفاع عن كرامة البلد بطريقة واحدة قد يجعلنا رهينة خاضعة للإملاءات الخارجيّة، وهم الذين يقولون «إننا نرفض الإملاءات».
ويؤكّد أنّ «حزب الله» ليس طارئاً على لبنان مثل المقاومة الفلسطينية، فهو جزء من أبناء الوطن، ونتمنى أن يسهموا في بناء دولة القانون. ويعتبر أنّ المقاومة ليست مجتزأة، بل يجب أن تطال الإنماء لأنّ الفقر هو مسبّب الحروب الأوّل، ولذلك علينا تنمية بلدنا وصرف كل طاقاتنا على هذا الموضوع.
ويعتبر رعيدي أنّ التنوّع الثقافي بين المسيحي والسنّي والشيعي والدرزي يُغني لبنان، رافضاً سياسة محو الآخر مثلما تفعل «داعش»، وهو ما يجب أن نحذر منه على مستوى مكوّنات الوطن كافة، فلا يحاول أحد أن يمحو أيّاً من الطوائف، أو يغطي أبناء طائفته عندما يتطاولون على الدولة.
تغليب المواطنة
ويحذّر رعيدي من «مافيات الطائفية التي تستظلّ الطائفة لتشرّع أعمالها، ويدعو الى الانفتاح على الآخر وتغليب المواطنة، لكي نجنّب لبنان الدخول إلى الحرب، بل نجعله منتجعاً فكرياً في الشرق الأوسط، ومنطقة مفاوضات وسلام بين كل الطوائف والاعراق والإتجاهات السياسيّة».
ويرفض القول «إنّ هناك اختلافاً ثقافياً بين المسيحيين والشيعة والسنة والدروز، موضحاً أنّ الشيعة هم علماء في الفقه والإجتهاد الديني وتفسير القرآن، ولا تستطيع أن تحكم إلّا من المنظار الصحيح، وليس الحزبي الضيّق، وهو حال السنة والدروز الذين، على رغم ما يحيط بنا من مشاكل، يغلّبون لبنان على كل المقولات التي تحيط بنا، وهو ما يفرض على الجميع توظيف قدراته في خدمة الوطن والعلم».
ويضيف: «أهضم شيء أنّ الجميع يعتبر اسرائيل مشكلة وأنها ورم سرطاني يجب اجتثاثه، لكن لا أحد يحاربها، في حين ندمّر بلادنا من دون سبب لتسجيل موقف منفرد، في وقت لم يتجرّأ أحد من جيراننا على إطلاق رصاصة واحدة عليها. وبالتالي، يجب النظر إلى الأمور كما هي، وليس العمل على التخويف وتضخيم دور البعض لخلق إشكالية مجانية».
الرئاسة
في الشقّ الرئاسي ودور الأنطونيين، يقول رعيدي: «إننا كرهبنة انطونية لسنا مجموعة سياسية، بل نحن ضمن الكنيسة المارونية. وما دام البطريرك الماروني يقوم بالواجب، فلماذا نُكثر المرجعيات؟». ويأسف لأنّ «الناس لا تشعر بوجود الدولة، ولكننا نقوم برسالتنا في الوطن، وهذا مصدر قوتنا، وفي الوقت نفسه نأسف أن تأكل حيتان المال الدولة وتنهشها».
ويعتبر أنّ «تفريغ قصر بعبدا هو تفريغ للبنان الحوار والتلاقي، والسنّة والشيعة والدروز متضررون من غياب الرئيس أكثر من المسيحيين. المسيحيون ليسوا المشكلة، فهل سيُسهّل انكفاءهم اتفاق السنّي والشيعي، وتُحلّ مشكلتهما؟ فالرئيس ليس بالصلاحيات أو بالإمضاء بل بالرمزية والدور الذي يؤدّيه، ولا قيام للبنان بعيداً عن التعاون الوثيق بين مختلف مكوّناته».
التعطيل
يؤكّد رعيدي أنه «بمقدار ما يمثل «التيار الوطني الحرّ» جزءاً من المسيحيين، بمقدار ما تكبر مسؤوليته. لذلك، عليه استعجال النزول الى مجلس النواب ليس فقط لانتخاب رئيس بل لإعادة التوازن الى الحوار الوطني.
فنحن لا نخاف على اسم الرئيس، لأنّ المجتمع يفرز قيادات. وبالتالي، هناك أشخاص يستطيعون الجمع بين اللبنانيين، من دون الانكفاء عن الحوار بين المسيحيين خصوصاً، واللبنانيين عموماً، وهناك بوادر مشجّعة على هذا المستوى لدى كل الأفرقاء. فالدور المطلوب من الرئيس هو الإسهام في بناء لبنان».
الجيش والمسيحيون
لا يعتبر رعيدي أنّ المسيحيين منكفئون عن الجيش ومؤسّسات الدولة، بل «إن الذين يتقدمون الى الوظائف يملأون ما يُطلب منهم، لكن هناك تسويات سياسية هي سبب الخلل الحاصل». كما يؤكد «دعمه لمؤسسة الجيش، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، لأنه يقوم بعمل جبّار على رغم الصراع السياسي.
فهو ليس فقط على الحدود، بل في الداخل. في الماضي كان الجيش في الثكنات، أمّا اليوم فهو في قلب وعقل كل لبناني يريد السيادة للبنان، وهذا ما أبقى الجيش متماسكاً على رغم التدخّل السياسي، وأعتقد بأنّ الدعم الشعبي هو الذي يخرجه منتصراً من المعركة».
المارونية السياسية
يعود رعيدي الى الإحصاءات عندما يُسأل عن إخفاق المارونية السياسية في بناء الدولة، ويقول: «راجعوا كل الأرقام الاقتصادية والتطويرية عندما حكم الموارنة قبل الطائف، مقارنة بجمهورية ما بعد الطائف، فنحن هواة علم ومدارس وثقافة، وقمنا بالنهضة العربية! أمّا تحالفاتنا التاريخية فجلبت الى بلدنا العلم والمعرفة. نحن ننظر الى التقدّم والرقي والمستوى الإنساني في التعاطي، وهذه مفارقة يجب أن يعلمها الجميع.
فالعلم نفط لبنان، ولا بدّ من الإقرار بأننا كنّا عبر التاريخ، كما نحن اليوم، روّاد تربية، ونَشَّأنا أجيالاً يفخر بها الوطن والمشرق العربي. ويؤكد أنّ البيئة المسيحية المنفتحة ستبقى خزاناً فكرياً تفرز مبدعين وفنانين لأنها بيئة تسعى إلى صقل الإنسان وبناء كرامته بالرقيّ والعلم والعمل».
الجامعة والسياسة
في الجامعة الأنطونية، يرحّب رعيدي بجميع الطلّاب الذين يريدون العلم، مسيحيين ومسلمين على مختلف طوائفهم، ويشدّد على أنّ الجامعة صرح تعليمي مفتوح للجميع. ويعتقد بأنّ مَن درس في المدارس المسيحية بات أكثر انفتاحاً في تعامله ولقائه مع اللبنانيين، ويملك لغة للتعاطي لا يملكها الآخرون. وإذا حدث أيّ إشكال في أيّ جامعة، فهذا لا يعني أنّ الجميع يتقاتل.
ولنكن واقعيين، الجامعة مقرّ فكري للحوار والتلاقي، فلماذا نخاف أن يلتقي اللبنانيون ليشكلوا خلية حوار وتلاق في صرح علمي! أمّا بالنسبة إلى الإنتخابات الطالبية في الأنطونيّة، فيوضح رعيدي أنّ المشكلة موجودة في الجامعات كلها، وهذه قضايا تبحث داخلياً وليس من الضرورة تسييسها ومحاولة إسقاط الصراع الطائفي في إشكالياتها».
من الرهبنة اللبنانيّة المارونية الى الانطونيّة، هناك حرّاس للبنان الرسالة الذي أراده الموارنة بلداً نموذجياً أخذَ من الشرق والغرب القيَم الحضارية وصقلهما في قالب واحد ما زال الموارنة متمسّكون به، لأنه «لا لبنان بلا موارنة ولا موارنة بلا لبنان».