المحامي إيلي بو خليل / النهار
فقد لبنان الخميس الماضي علماً من أعلام الفكر في لبنان هو الأب كميل حشيمه اليسوعي الذي تبوّأ عدّة مراكز في الرهبانية اليسوعية في لبنان وسوريا (حلب) وشغل مركز المسؤول عن مجلة “المشرق” الصادرة عن المطبعة اليسوعية، والتي أغنت لبنان فكراً بنشرها مئات الكتب الفكرية والأدبية خلال أكثر من قرن.
والأب كميل دكتورٌ في اللغة العربية وآدابها. عالج أطروحته عام 1965، وكان موضوعها كتاب العلامة اليسوعي الأب لويس شيخو المعنون ” النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية”. وقد طرأت له فكرة منذ ذلك الوقت بأن يسير على خطى سلفه الأب لويس شيخو وإظهار ما كان للمسيحيين المشرقيين من دورٍ فعّال في بناء الحضارة العربية بعامة وإنشاء روائع آدابها بخاصة، فأصدر كتابين كان قد وضع أساسهما الأب شيخو وهما: “علماء النصرانية في الأسلام” (سنة 1983)، و “وزراء النصرانية وكتّابها في الأسلام” (1987).
كان الأب كميل جريئا في تفكيره عندما خطط لأعداد ثم نشر معجماً عن المسيحيين الذين كتبوا اللغة العربية ما قبل الإسلام إلى القرن العشرين، وذلك خلال أكثر من خمس وأربعين سنة، فراح يجمع مواد هذا المعجم خلال عشرات السنين على قصاصات من ورق فنشر أول جزء من هذه المجموعة الضخمة سنة 2010 وراح يجمع الأجزاء واحداً تلو الآخر حتى بلغ الجزء السادس (أي من الحرف “أ” وحتى “ع”) عندما عصي على مقاومة المرض الذي أصابه، وهو الذي كان رياضياً يشارك في سباقات الماراتون مع أقران جيله كاللواء فرنسوا جنادري وغيره.
لكن، يظهر أن الأب كميل أوصى بعض طلابه متابعة نشر هذه المجموعة بأجزائها كافةً، بعدما سلّمهم ما تيسّر له من معلومات عمن تبقّى من غير المذكورين في الأجزاء الستّة الأول الذين أغنوا اللغة العربية فكتبوها وكانوا مجلّين فيها، ومن المؤمّل أن يتابع تلامذته نشر ما بدأه إظهارًا لدور المسيحيين في النهضة العربية.
أما عن رسالته الكهنوتية، فقد أخبرنا أنه عندما كان يافعاً راح لوالده يطلب منه السماح بدخول الرهبانية، فعارض والده هذا الأمر، لكنه تدبّر حيلة، إذ وضع فراشًا خلف شباك الدار الذي يقع في الطبقة الأرضية وهدّد والده بأنه إذا لم يتركه يدخل الرهبانية اليسوعية فإنه سيرمي بنفسه من الشباك،… فرقّ قلب الوالد وسمح له بدخول الرهبانية خوفاً عليه. والأب كميل كان مساعداً لغبطة أبينا البطريرك عند دخوله السلك الرهباني في الأرشاد والنصح ليصيب في رأيه فيصبح الأب بشارة الراعي بطريركاً للبنان.
بفقدان الأب كميل حشيمه يفقد لبنان خزّاناً من التراث المسيحي المشرقي.