لقب والدة الإله لم يولد بولادة المسيحية بل هو أقدم من ذلك بكثير ونحن نجد ذلك عند قدماء المصريين ” الثالوث المصري” : “إيزيس أم الإله حورس الذي زوجها الإله أزوريس” .
ولذلك نجد أنه بدخول المصريين إلى الديانة المسيحية كانوا يطلقون لقب والدة الإله على السيدة العذراء. إذاً هذا اللقب نشأ أساساً في بلادنا المصرية وما يثبت ذلك البردية التي اكتشفت والتي مكتوب فيها صلاة من منتصف القرن الثاني “تحت ظل حمايتك نلتجئ إليك يا والدة الإله ” وهذا وُجد مستعمل في الطقوس والصلوات التي يرفعها المسيحيون إلى العذراء ولاسيما في تلك الأوقات العصيبة فهي أول وثيقة تثبت لقب والدة الإله. وفي مدرسة الإسكندرية استعمل هذا اللقب أوريجانوس وكيرلس وأثناسيوس الذي تم استعماله ضد البدعة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح فأثبتت ألوهية المسيح ولقب العذراء باسم أم الله .
كذلك غريغوريوس الترنيزي يقول ” من لا يعترف بأن مريم هي أم الله فهو منفصل عن الله” وكان هذا سنة 428 م أي في القرن الرابع وذلك قبل مجمع أفسس،
وفي بداية القرن الخامس كان نسطور كاهن في أنطاكية (سوريا حالياً) استعمل بدلاً من ثيئوتوكس ( أي والدة الإله ) كلمة كريستوكوس ( أي أم المسيح ).
* بدعة نسطور :
بعد هذا التمييز بدأ يعظ بفصل بين يسوع المسيح ابن مريم ويسوع المسيح ابن الله ويقول “أن يسوع ولد شخصاً عادياً وحل فيه ابن الله بعد ذلك” فابن الله وابن مريم اتحد اتحاداً معنوياً وليس اتحاداً اقنومياً فلا يسمى المسيح ابن الله بل يسميه “حامل الإله أو الله” أي على نفس المستوى الذي دعي إليه القديسون بالنعمة الإلهيةوهنا يكون فصل في شخص المسيح بين الاله والإنسان، وبذلك قد أنكر لاهوت المسيح وبالتالي لا يمكن أن تكون مريم أم الله بل أم الإنسان يسوع المسيح، وبدأ ينتقد المجوس الذين سجدوا للطفل، وقال أن لاهوت يسوع فارق ناسوته ساعة الصليب، وبهذا الفصل لا يتم سر الفداء لأن يسوع إذا كان إنسان فقط لا يمكن أن يفدينا وإن كان الله فكيف يفدي البشرية بدون أن يتحد به.
*مجمع أفسس 431 يقول القديس كيرلس الإسكندري ضد نسطور :
“أن المسيح لم يولد من العذراء كإنسان عادي وبعد ذلك نزل عليه الله الكلمة بل بالحري اتحد الله الكلمة بالمسيح الإنسان في لحظة الحبل” أي اللاهوت والناسوت اتحدا بالأحشاء ذاتها )لا بمعنى أن الكلمة أو اللاهوت قد ولد منها بحسب الجسد،( ولهذا دعاها الآباء العذراء والدة الإله، فهي ولدته إنساناً حراً عاقلاً وإلهاً كاملاً في نفس الوقت، فالعذراء لم تلد اللاهوت بل ولدت الأقنوم الإلهي وهي في نفس الوقت إنساناً كاملاً حر عاقل.
*حقيقة الأمومة الإلهية :-
–1 أن مريم هي أم الله حقاً :أي أنها حبلت بالأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وولدته لا بطبيعته الإلهية بل بالطبيعة البشرية التي أتخذها له الأقنوم الإلهي، أي أن المسيح وهو في بطن العذراء كان يحمل الطبيعتين الإلهية والإنسانية.
2 –الغنوسية :_ المعرفة” أنكروا ناسوت المسيح وبالتالي أنكروا أمومة العذراء فهم يقولون أن المسيح كائن إلهي ولم يأخذ أي جسد وبالتالي يكونوا قد أنكروا كنتيجة أن مريم هي أم المسيح إذ هم ينكروا ميلاد المسيح وتجسده فهم يعتبروه كائن روحي إلهي آتي من الله ليعطي المعرفة.
*أمومة مريم في الكتاب المقدس والتقليد :-
في إنجيل يوحنا يقول عنها “أم يسوع” (يو 1:2)
والقديس متى يقول عنها “أما ميلاد يسوع المسيح ، لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف” (مت 18:1)
“ودخلوا البيت ورأوا الطفل فيه وأمه مريم” (مت 11:2)
– قم واهرب بالطفل وأمه إلى مصر …. (مت 13:2) ”
– قم فاذهب بالطفل وأمه وأرجع إلى أرض إسرائيل … (مت 20:2)
– ويقول لوقا البشير “…من أين ليّ َأن تأتي إلي أم ربي …” (لو 1/43)
– الأمومة الإلهية هذه هي متضمنة في كلمات القديس لوقا “القدوس المولود منك يدعى ابن الله”(لو 35:1)
– وفي رسالة غلاطية “… أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة …” (غلا 4:4) والمرأة التي ولدت ابن الله هذه هي أم الله
* لقديس أغناطيوس الأنطاكي سنة 107م ذكر أن سيدنا يسوع المسيح قد حبل به في بطن أمه مريم حسب التدبير الإلهي وهو مولود من دم داود ومن الروح القدس” رسالة أفسس 18/3 .
* القديس إيرناوس : ” المسيح الذي كان عند الآب كلمة الآب ولد من عذراء ” وقد جرى لقب أم الله منذ القرن الثالث .
* القديس يوحنا الدمشقي :”أنها بالحقيقة وبالمعنى الخاص الحقيقي أم الله وملكة فهي تملك على الخلائق، لأنها خادمة الخالق وأمه” في الإيمان المستقيم 14:4
*القديس كيرلس الإسكندري ضد نسطور :- “من لا يعترف بأن عمانوئيل (المسيح) هو إله حقاً وأن العذراء القديسة هي امه لهذا السبب،ولدت الله حقاً، لأنها ولدت بحسب الجسد، الكلمة المتجسد المولود من الله فليكن محروماً
صفات أمومة العذراء مريم
1 – أمومة مقدسة :-
لأن العذراء هي أقدس الخلائق ليس فقط لأن الله عمل بها عظائم “فطوبى لك يا من آمنت بأن ما بلغها من عند الرب سيتم” (لو1/40) “لأن القدير آتاني فضلاً عظيماً قدوس اسمه” (لو 1/49) بل لأنها أم المؤمنين إذن الأمومة مقدسة من جهة مريم نفسها ،ولأنها قديسة أرسل الله إليها الملاك قائلاً لها “السلام عليك يا ممتلئة نعمة” (لو1/28) ففي حياتها كانت تحيا بقداسة فهي عذراء (لو1/27) وطهارة العذراء تحقق القداسة، فالقداسة شرطها الأساسي هو تجرد عن العالم، فهي تجرد عن الدنيا غايته الانتساب تماماً بالنفس والجسد إلى الله فكل العمل الصادر عنها هو صادر عن إيمان وطاعة وتواضع “أنا أمة الرب فليكن لي كما قلت”(لو 1/38) والعذراء تحولت إلى قدس الأقداس الحقيقي الذي رُمز إليه في العهد القديم فصارت هي قدس الأقداس الحقيقي التي حملت في أحشائها الله المتجسد، فالعذراء تحققت لها رغبتان فهي عذراء وتصبح أم فكل فتاة في العهد القديم كانت ترغب في أن يولد منها المسيح فالرغبة الأولى أنها أصبحت أم الله، والرغبة الثانية أنها ظلت عذراء كما هي على حسب النذر الذي نذرته.
2– أمومة إلهية :– إن مريم ليست والدة اللاهوت أو الناسوت وإنما والدة الابن فهو الله، فهي لم تلد الإنسان الذي اتحد فيما بعد بالله بل ولدت ابن الله المتجسد، فهي أم المسيح الشخص وليست أم جسده فقط، وهذا الشخص هو شخص إلهي.
يقول بولس الرسول: “الله ظهر في الجسد كان يحمل الطبيعة الناسوتية في نفس الوقت. ولكن لأن الطبيعة الناسوتية اتحدت بالطبيعة الإلهية اتحاداً جوهرياً كاملاً أن الله الواحد ظهر في الجسد. ومن حيث أن المسيح واحد لا إثنين. لم يتغير عما كان قبل التجسد فلذلك لم يحدث إطلاقاً تغيير في الثالوث القدوس الإله الواحد”[1]
3– أمومة اجتماعية :– القديس أوغسطينوس يقول : “أن والدة رأس الجسم السري هي في الوقت نفسه والدة الأعضاء” أي أن والدة المسيح هي والدة الكنيسة التي هي أعضاء المسيح ، فالكنيسة تنشأ من اتحاد مريم بابنها الإلهي واتحاد الإله بالإنسان، والمخلص بالمخلصين، فهي أم في الكنيسة أو هي أم الكنيسة وهي المثال الذي يجب أن يحتذي به في الكنيسة.
القديس أبيفانيوس :- يضع موازنة بين حواء ومريم وينتقل إلى أمومة مريم الروحية. “لقد رمز إلى مريم بحواء ،تلك التي إنما دُعيت بأم الأحياء لأنها صورة لمريم، فأصل الجنس البشري كله إذا ما نظرنا إليه من الخارج، إنما هو من حواء إلا أن حياة العالم في الحقيقة، إنما ولدت من مريم، وهكذا كان على مريم أن تلد “الحي” فتصير أم الأحياء”.
زينيت