ليست المسيحية مجرد فلسفة؛ ولا هي قانونًا أخلاقيًا أو فن ممارسة التصوف النسكي، لكنها الخلاص بكلمة الانجيل كيريجما Κηρυγμα فالإنسان وخلاصه الشخصي هو هدف تدبير الله؛ لتصير أفعال المسيح الخلاصية حاضرة لنا (لي أنا شخصيًا) ومن أجلي؛ بيقين حي يشمل حاضرﻱ وكل كياني في نطاق الجسد الواحد.
كل شخص ( عضو) مسافر على طريق الخلاص الأبدﻱ حتى يكتمل على رجاء ما سيكتمل؛ لأنه عضو في جسد المسيح مطعَّمٌ فيه، متأصل ومتأسس (نسبة إلى أساسات البيت)، مبنيين فيه لنحيا بالروح ونسلك بالروح في الإنسان الباطن وأخلاقه.. هنا تشير الأخلاقيات إلى عمل المسيح كتلمذة تجسيدية؛ كما علَّم وعَمِلَ ودعانا لنقتدﻱ في أفعالنا للتلمذة. فهو الشخصية التي علينا التشبُّه بها، وهدف حياتنا الذﻱ ينبغي أن نسعى لبلوغه.
لذا تشدد إرسالية الكنيسة ومهمتها على الأخلاقيات الشخصية؛ والتي تفهمها في ضوء (مُلك المسيح الموسوم بالخلاص والمحبة والطهارة والأمانة والعدل والسلام والفرح والبركة والحضور الإلهي)، والتي دعانا لتبنّيها وعيشها والسكن فيها؛ وتوجيه مسيرة حياتنا بها، لتتشكل أخلاقيات شخصيتنا بها، وتكون مؤسسة على قناعات لاهوتية ومعيار الخليقة الجديدة، وفضائل شعب الملكوت.
العظة على الجبل كانت تضم المطالب العملية لأخلاقيات الملكوت، فتأتي لتدشينه وتكون الطريقة الفُضلىَ لنكون مسيحيين حقيقيين. وكما يصفها بعض الدارسين بأنها التطبيق العملي للملكوت، وقلب القِيَم العالمية كمحبة الأعداء وضم المنبوذين؛ والنية الصالحة تجاه البشر؛ والانفتاح نحو الآخر ورفض الانتقام والعنف؛ بل والسعي نحو المصالحة والرحمة والإحسان وصنع السلام؛ وعدالة إطعام الجياع وضيافة الغرباء وتمريض المرضى واسعاف المنكوبين وإغاثة المشردين وإطعام البائسين وتأهيل المعاقين ومسامحة المديونين، وهذه جميعها كل ما بدأ يسوع يعمله ويعلم به.
صارت أخلاق الخليقة الجديدة هي البوصلة الأخلاقية التي تحدد طريق كل مسيحي، وهي نفسها كلمات النعمة التي كانت تخرج من فم إلهنا؛ لنفهم بها؛ ونتمكن من عيشها كحياة، فيكون المسيح مخلصنا هو ملكنا و مركز حياتنا وهو الذﻱ يقودنا في طريقه ليتشكل فينا، لأن للنعمة شكلاً معلنًا، شكل الملكوت، شكل التطويبات، شكل طريقة المسيح الطريق، شكل النعمة التي نتشارك بإستجابتنا السينِرجية Συνεργεια لعملها. فهي ليست نعمة رخيصة ولا هي بر الأعمال؛ لكنها عطية الله الفائقة المجانية للتغيير والفعل؛ لنريد ونعمل من أجل المسرة وثمار النعمة، نعمة التغيير إلى صورة المسيح؛ لتكون نموذجًا للشخص وللدولة والكون كله .
ينبغي التدليل على المواقف الأخلاقية على أساس دراسي تفسيرﻱ استقصائي للعهد الجديد؛ بإعتبارها فضائل الذﻱ نقلنا من الظلمة إلى نوره العجيب : التواضع الروحي، المَسْكَنَة بالاتكال على الله، تحرير المظلومين، مساندة الضعفاء، ضم المنبوذين، محبة الأعداء، الوداعة والحِلْم، صنع البر والعدل، عدم تخزين الأموال والاكتناز، العطاء في الخفاء، المسامحة، الاكتفاء، الأمانة، العين الكريمة البسيطة، القَبول، البساطة والحكمة.
وهذة الأخلاقيات هي في مجملها عمل الله الخلّاق؛ وهي طريقة تكريس النفس له في توجه شامل نحوه؛ لأن ملتقىَ التطويبات هو اختيار لعمل نعمة الله ورحمته؛ المعطاة لإمكانية استقامة الكِيان الداخلي والخارجي واستقامة العمل؛ بالأخلاق المسيحية التي لا تتغير من زمن معين إلى الزمن التالي وحسْب، لكنها كونية وممتدة إلى المجيء الأبدﻱ بديناميكية.
ومن هنا لا نتُوه بل تتشكل الشخصية وتتدفق منها الأفعال، مع التشديد على الإدراك، والرؤية، والتمييز، والنظر بالإيمان؛ (مبصرين، سامعين، فاهمين)؛ لأن الأخلاقيات تبني وتشدد على الفضيلة والقِيَم والقناعات المسيحية.
النقلة الرئيسية في الأخلاق المسيحية هي التي تتبع مثال يسوع في التعليم المستمر والتوبة التحولية ميطانيا Μετάνοια للتصحيح والنمو في المسيح الذﻱ قال (مِن ثمارهم تعرفونهم)؛ فمن شأن التوبة تصحيح السيرة بوسائط النعمة والممارسات الروحية المؤسسة على نمط طريقة اتباع الرب يسوع، والتي تعتبر النموذج الكامل الذﻱ فيه نتشارك وبه نحيا ونوجد ونتحرك… وكل فضيلة أخلاقية ليست عملاً نعمله نحن، ولا هي ملكًا شخصيًا لنا؛ بل هي بمثابة مشاركتنا في المسيح الحي، والحياة هي الحياة في المسيح، والحياة في الروح القدس الذﻱ من خلاله يسكب الله سكيب عمله وتقديسه في قلوبنا.
كلمة عن الأَخْلاَقُ الشَّخْصِيَّةُ للمَسِيحِي في القصر الجمهوري بحضور رئيس الجمهورية الأيرلندية) ٢٨ مارس ٢٠١٥