3-بالرغم من كلّ شيء!
نعم بالرغم ممّا طرأ على هويّة العائلة وتركيبتها ومحاولة تغيير معالمها وماهيّتها، تبقى صامدة ومتماسكة بالمطلق. “فالعائلة مستهدفة في صميمها وكينونتها وأسُسِها، كما في قيمها الإنجيليّة الثابتة”.[1]
نعم بالرغم ما يحدث من تغييرات داخل العائلة وخارجها، وبالرغم من التفاعلات السلبيّة والضغوطات والمشاكل والصعوبات والتفكك الأُسَري التي تواجهها العائلة تبقى مصدر أمان وسلام ومحبّة ووحدة. وبالرغم من التحوّلات العلائقيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي أثّرت بطريقة سيّئة في معظم الأوقات، تبقى العائلة مكان للتواصل والاتّصال تحت عنوان الحنان والرأفة والتعاضد والمسامحة. وبالرغم من كلّ شيء “تجسّد العائلة “الكنيسة البيتيّة” التي تعيش نعمة سرّ الزواج، وتصبح جماعة إيمان وصلاة، فتساهم في بناء ملكوت الله على الأرض من خلال الكلمة والصلاة وخدمة البشريّة”.[2]
وبالرغم من حضارة هذا العصر “المتفلّت” نوعًا ما من القيم وعدم فهم المبادئ وإدراكها وتطبيقها، والتي تؤدي إلى انحراف للسلوك والهروب نحو نمط الاستهلاك الفاحش والنزعة الفردية والتفرّد والانعزال، تبقى العائلة مصدر للثقة والحماية ولاستمراريّة الحياة. وبالرغم من صراع الحضارات وتنامي الأصوليّات والتطرّف الديني وممارسة القتل والعنف وإلغاء الآخر، تبقى العائلة واحة استقبال وغفران وعطف واحترام للتنوّع والاختلاف. بالرغم من الانقسامات والتشرذم والضياع و”الطلاق” بين الأزواج، تبقى العائلة فسحة أمل ورجاء حيث عيش الحبّ بفرح وبهجة وسعادة وحيث فرح الحبّ يثبّت العلاقة ويدعّمها ويعطيها القّوة للاستمرار. بالرغم من كلّ شيء يبقى الحبّ حالة فرح، فالحبّ يولّد الفرح والفرح يولّد الحبّ.
نعم “إنّ سرعة التغيير في الإطار الاجتماعيّ إضافة إلى الوضع الاقتصاديّ المترديّ، انعكس سلبًا على الحياة العائليّة، ممّا أدّى إلى زيادة الضغط والتوّترات والمنازعات بين أفراد العائلة، ممّا أثّر سلبًا في أفراد المجتمع”.[3]
وبالرغم من كلّ شيء، أتى الإرشاد الرسوليّ ليزرع الأمل ويبثّ الرجاء ويدعم الثقة في قلوب وضمائر الرجال والنساء، الذين اختاروا الزواج المسيحيّ، وأنّ عمل الروح القدس يقود خطاهم ويرافق مسيرتهم ويقدّم لهم بعض الحلول لمشاكلهم وصعوباتهم.
4-فرح الحبّ
نعم إنّ عائلة هذا العصر بالرغم من كلّ شيء تبقى الملاذ الأمين. من هنا تهتم الكنيسة بالعائلة لأنّها الخبرة أو الاختيار المشترك للبشريّة. فالكنيسة تقترح خطابًا حول العائلة مبنيًّا على الوحيّ الإلهيّ محاولة عيشه بواقعيّة وتطبيقه بطريقة عمليّة.
فبالرغم من كلّ شيء، الكنيسة من خلال الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ” تداوي الجروحات بأسلوب الإنجيل لأنّه مصدر فرح وحياة للّذين يعيشونه ويطبّقونه، فالعنوان الكبير للإرشاد هو إعادة قيمة العائلة والتأكيد على فرح الحبّ وضرورة مرافقة المجروحين مع أعطائهم كلمات تعزية وتشجيع مترجمةً بطريقة عمليّة من أجل المحافظة على الإيمان والتعلّق بالحياة المسيحيّة.
فالكنيسة تلازم الرحمة والحقيقة جنبًا إلى جنب، كما العدالة والمصالحة، والعقيدة والممارسة. إنّ الرسالة الراعويّة لا تريد أن تتخلّى عن أحد بل أن تذهب نحو المجروحين والمتعثّرين لملاقاتهم عبر الاستقبال والاستيعاب والتمييز والعمل على توعية الضمائر والتدريب والتنشئة لا على الإدانة. كلّ هذا يعطي لعائلة هذا العصر القوّة للنضال تجاه التحدّيات والمثابرة على التواصل والحوار والصلاة من أجل مواجهة كلّ العراقيل للعيش بسلام وبفرح الحبّ.
فالكنيسة اليوم من خلال الأنجلة الجديدة أي التبشير الجديد بالإنجيل، تنقل الإيمان للبشريّة. فالإيمان ينمو وينضج إذا آمن الإنسان، وبما أنّ غالبيّة الناس تؤمن بقيمة الحبّ وأهميّته وحاجته في عالمنا، لذا لا بدّ من تجسيده وعيشه بين الناس، لا سيّما في الحياة الثنائيّة المشتركة المتجسدّة في سرّ الزواج المقدّس والعائلة المسيحيّة، التي تستنير من نور الربّ يسوع، ومن ثمّ تنقل هذا النور والسلام للآخرين، عبر التأكيد على أنّ الحبّ فرح والفرح حبّ. والتحدّث عن الحبّ في العائلة يُعتبر اليوم في عصرنا وبالرغم من كلّ شيء، تحديًا كبيرًا لا سيّما أنّه يتطلّب الالتزام والمجانيّة والعطاء والتضحية. يحتاج عصرنا إلى النظر إلى العائلة برجاء ورحمة. فالرحمة هي الباب إلى الدخول إلى الحبّ والحبّ من دون رحمة يبقى ناقصًا. فبالرغم من كلّ شيء علينا المثابرة والجهد من أجل عائلة تؤكّد محبّة الله للبشر ومحبّة يسوع للكنيسة. “… أوليس السعيّ الدائم لإنجاح الزواج والوصول إلى تحقيق الأهداف من حياة الشراكة، هما العاملان للعيش بسلام بطريقة مُثلى كما أرادها الخالق؟ […] … والواقع أنّ كلّ لقاء حبّ يحمل في طيّاته أسسًا سليمة، لا بدّ لها من أن تدخل كيان الإنسان ووجوده، وعندئذٍ يُصبح اللقاء عهدًا والعهد يصير لقاءً مستمرًّا”.[4] Zenit