جورج كلاّس – خاص “النشرة”
إنطلاقاً من التوصيات العمليّة التي إنتهت اليها، اعمال (المؤتمر الأول للإعلام الإلكتروني)، الذي دعا اليه رئيس (جهاز الإعلام والتواصل) في القوّات اللبنانيّة، الأستاذ ملحم رياشي، وبرعاية وحضور وزير الاعلام النقيب رمزي جريج، وبمشاركة خبراء في مجالات التواصل والإعلام المتخصِّص، ومسؤولي مواقع إلكترونية عامّة ومتخصّصة، فإنه من المفيد إبداء بعض الملاحظات التقويميّة، التي من شأنها ان تعزّز فرص إنجاح الخطوات المأمولة، التي يجب إعتمادها في سبيل تحصين الإعلام الإلكتروني اللبناني، وتمكينه من مواكبة التطوّر اللّحظويّ لوسائل الاعلام، وتوسّع دورها المعرفيّ، على صعيد تعميم المعلومات وآنيّة نشرها وبثّها.
إن فكرة الدعوة لعقد هذا المؤتمر، غير المسبوق بطرحه وما حمله من إشكاليّاتٍ رهانيّة جادّة، شكّلتْ خطوةً متقدّمة وارتقابيّةً لرسم مستقبلٍ مرموق للإعلام الالكتروني اللبناني، الذي لا يزال يتخبّط في حالة فوضويّة موصوفة، على صعيد التنظيم والهيكليّة والقوْنَنَة.
إنَّ الهدف الرئيس، من إطلاق هذا المؤتمر، هي تلمُّس خطر عدم وجود قوانين ناظمة لهذا النوع من الإعلام الشعبي والتواصل الإجتماعي، فضلاً عن الرغبة الأكيدة بتحصين دوره وتفعيل وظيفته، والتشديد على فعالية مضامينه ذات التأثير القويّ والسريع بين الناس، والعمل لتهيئة أرضيّة صالحة، لجعل هذا النوع الإعلامي يتّصف بالجودة والتحديث، ويستجيب لمتطلّبات المُعْلِمينَ والمُسْتَعْلمينَ، ويكون على مستوى الثقة والرصانة التي تنظم أحوال وطبيعة وسلوكات الاعلام الكلاسيكي، بأنماطه المكتوبة والمذاعة والمتلفزة.
والاهتمام المشكور لوزارة الاعلام، بمتابعة اعمال المؤتمر وصياغة توصياته، دفعتنا الى بناء آمالٍ واسعة، على جهود وزير الاعلام النقيب رمزي جريج، وسعيه للإرتقاء بالإعلام الالكتروني اللبناني الى مراتب أفضل، مواكبةً للرياديّة اللبنانية في مجال صناعة المعرفة وتأسيس الصحافة، واستخدام الكلمة وتوظيفاتها في نشر الوعيّ والتثقيف الدائم.
وإذا كانت التوصيات السبع التي خَلُصَ اليها المؤتمر، تندرج ضمن خطّة قَوْنَنة الاعلام الالكتروني، وجعله وسيلةً تواصلية حرّةً ومحميَّة ومُصانة، فإنّ المأمول ان تتواصل عملية متابعة هذه التوصيات وتحقيق بنودها، من اجل تأسيس إعلام إلكتروني ذي مواصفات عالية، ويتّصف بالصلابة والثقة.
فلبنان الذي كان رائداً في تأسيس الصحافة الورقية، وفاعلاً رئيساً في عصر النهضة، ومحور الحركة الفكرية العربية الحديثة، لا يزال إعلامه الالكتروني من دون هويّة قانونية، بمعنى خلوّ قانون الاعلام من أي موادٍ تتعلّقُ بالتشريعات ذات العلاقة بتنظيم الاعلام الالكتروني، وتحديد مسؤوليّة وحقوق المشرفين عليه والعاملين به، فضلاً عن المسؤولية الاجتماعية والقانونية التي تترتّب على نتائج الخدمات التي يقدّمها:
اولا: في واقع الاعلام الالكتروني اللبناني
يعتبر الاعلام الالكتروني اللبناني، فنّاً تعبيرياً يتّصفُ بالحريّة المطلقة، نظراً لعدم وجود تشريعات تحدِّد طبيعة عمله ومجالات التفاعل معها، وهذا ما جعله إعلاماً إستهلاكيّاً واسع الإنتشار والمقبوليّة. وهذه الصفة، أي سرعة قبوله وتصديقه، ضاعفت من الاخطار المهنية التي يمكن ان تنجم عن الاعلام اللبناني الكلاسيكي، لجهة الثقة المفروض توفّرها في صياغة عناصره، وذلك بسبب التسرّع الذي يطغى على مفهوم (السَبْق الإعلامي) خلال تصنيع المواد الإخباريّة والرغبة بتحقيقِ (نصرٍ) مهنيّ، على حساب الإحترافية المطلقة.
ثانياً: في رهانات الاعلام الالكتروني اللبناني
يتطلّع اللبنانيّون بكلِّ مستوياتهم العُمْريّة والثقافيّة، وبمختلف إنتماءاتهم وتوزّعِ إهتماماتهم، الى تطوير الاعلام الالكتروني الذي اصبح مادةً أساسية في الحياة اليومية للناس، ويراهنون على اهمية تنظيمه ودفعه الى توسيع إطار تحرّكه، حتى يستجيب أكثر لإهتماماتهم وتطلّعاتهم التي تتشعّب وتتكاثر كلّ يوم، نظراً للإنفتاح المستدام على حضارات الشعوب وثقافاتها وطبيعة حياتها اليوميّة بكلِّ مفاصلها، بعد ان صارت المجتمعات العالميّة على تماسٍ تامٍ وتواصل لحظويٍّ مع بعضها. وهذا ما جعل اللبنانيين يتطلّعون الى رهانات جديدة وحديثة في مجال تعميم المعارف ونشر الاخبار المتواترة بسرعة غير منتظرة.
ثالثاً: في المأمول للإعلام الالكتروني
تحدّدتْ إنتظارات اعمال المؤتمر الاول للإعلام الالكتروني، من خلال مجرّد الدعوة اليه وتنظيمه وإنعقاده وما خَلُصَ اليه من توصيات، جاءت متوافقةً بكليّتها مع طروحات الفئات الشعبية اللبنانية، بكلِّ رؤاها وهمومها.
وتُظهر التوصيات التي تدرّجتْ من مسألة تنظيم المهنة، الى أخلاقيات هذا الفنّ الإعلامي الجديد، وقضية الرقابة على الإنتاج، وضرورة اعتماد مبدأ الجودة، الى حماية المواقع الالكترونية، ووجوبيّة تعديل التشريعات اللّازمة، وصولاً الى إقتراح إنشاء هيئة تمثيليّة لأصحاب المواقع والعاملين فيها، أن هذه الخلاصات جاءت متكاملة من حيثُ إستجابتها لعنوان المؤتمر، من دون ان يعني ذلك ان اعمال المؤتمر الاول قد أقفل الباب على كلّ الهموم والأسئلة التي يمكن ان تتشكَّل كلّ لحظة، حول إشكاليات الاعلام الالكتروني ودوره التوعوي والإخباري، في مجتمعٍ ليبراليٍ حُرٍ و نامٍ ومتعدّدِ الثقافات والحضارات والأديان!…
والمأمول، أن تتواصل الجهود وتتكثّف الأنشطة المهنية والاكاديمية والقانونية والرسميّة، للتصدّي لكلّ الاخطار التي تتهدّد سلامة العملية الإفهاميّة والإبلاغيّة التي تتصل بوظيفة الاعلام الالكتروني ورسالته الاجتماعية، وأن ندعو ونعمل من أجل تأسيس إعلام إلكتروني مُختَلِف ويستحقّه لبنان!…
د. جورج كلاّس
الجامعة اللبنانيّة