أحيا العالم اليوم العالمي لنهاية الافلات من العقاب، وسُلط الضوء على أهمية حرية التعبير في الصحافة، لاسيما بوجود تشريعات تمنع المساس بجوهر القيم الحرة.
منذ عشر سنوات وحتى يومنا هذا، لا يزال مشروع قانون الإعلام في لبنان يُعرض للمناقشة. وكلّما تغيّرت حكومة، وأتى وزير جديد يَطرح قانوناً جديداً أو معدّلاً، ليدخل مرّة أخرى مقتلة اللجان النيابية، وينتقل من لجنة إلى لجنة ثم إلى لجان مشتركة. غياب القوانين يوازي في أثره
حتى الساعة لا إقرار لقانون جديد يُواكب التقدّمَ الحاصل على مستوى العالم، خصوصاً على المستوى الرقميّ.
ففي لبنان، هناك اقتراح قانون للإعلام، بدأت مناقشته منذ قرابة 10 أعوام، وامتدّت إلى أكثر من لجنة إعلام ولأكثر من دورة نيابية، ومع أكثر من وزير للإعلام. وهذا القانون موضوع أمام لجنة الإدارة والعدل منذ 3 أعوام تقريباً حيث لا يزال.
وإلى حين إقرار القانون الجديد الذي أبدت مؤسّسات عديدة اعتراضات عليه، هناك 4 فئات في وسائل الإعلام هي: الجرائد، وهي منظَّمة بموجب قانون المطبوعات، التلفزيونات والإذاعات وهي منظّمة بموجب قانون المرئي والمسموع، أما المواقع الإلكترونيّة فهي ليست منظّمة بموجب أيّ قانون.
وقبل إقرار القانون الذي ينظّم عمل جميع وسائل الإعلام، تقدّم رئيس لجنة الإعلام في مجلس النواب حسين الحاج حسن بقانون لتنظيم المواقع الإلكترونية الإعلامية، وقد بدأت اللجنة بمناقشته منفصلاً.
وبحسب قانون الحاج حسن، هناك توافق على أن تأخذ هذه المواقع العلم والخبر من المجلس الوطني للإعلام، وتكون مسؤوليّتها أمام محكمة المطبوعات، وتحفظ حقوقها في الضمان الاجتماعي وفي نقابة المحرّرين، ما يعني أن النقابة ستعمل على تنسيب أفرادها إلى سجلّها النقابيّ.
هذا مشروع قانون أثار عدداً كبيراً من الانتقادات، خصوصاً بما يتعلّق بالتسجيل في المجلس الوطني للإعلام، الذي لا يلقى ترحيباً من الجسم الإعلامي في لبنان.
وفي مشروع القانون المشار إليه بندٌ يتعلّق بتطبيق الأنظمة والضمانات القانونية التي تطبق على الصحافيين العاملين في مجال الإعلام المرئي والمسموع، أي خضوع هذه المواقع لقانون المرئيّ والمسموع، الذي هو بحدّ ذاته مثار اعتراضات كبيرة.
أبدت مؤسّسة “مهارات” ملاحظاتها على قانون الإعلام الجديد إلا أنه بحسب المؤسسة هناك مبادئ عامة یجب اعتمادھا في أيّ تشریع جدید للإعلام في لبنان، وهي:
- يجب ألا یـتضمّن القانون تعریفات تقنیة تدخل فـي صلب الـتطوّر التكنولوجي للبثّ ونقل الصوت والـصورة ومحـطّات الـبثّ وتـنظیمھا وآلـیّات عـملھا؛ فھـذه الـتعریـفات تـدخـل فـي صـلب مـھام الھـیئة الـناظـمة لـلاتصالات ووزارة الاتـصالات الـمختصّة بتأمین الـبنیة التحتیة الـلازمة لـلبثّ وتـطویـر قـطاع الاتصالات والإعلام.
ویجب حصر التعریفات بالمواضیع الآتية:
الـمؤسـسة الإعـلامـیة: إذ إن الـقانـون یـجب أن یـشمل الـمؤسـسة الإعـلامـیة الـخاضـعة لـلتنظیم؛ فوسائل النشر الأخرى غیر خاضعة للتنظیم، ومنھا وسائل التواصل الاجتماعي.
- المرئیة والمسموعة (radio & tv).
- الصحف المطبوعة.
- المواقع الإخباریة الإلكترونیة، على أن يكون التعریف من منظار العمل الإعلامي، وإضافة شرطَي “أن یـكون النشـر مـن قـبل فـریـق مـن الـمراسـلین والمحـرّریـن والـعامـلین فـي الـموقـع الإلـكترونـي؛ وأن يكون مـضمون الـمواد الإعـلامـیة الـمنشورة مـرتـبطاً بـالمسـتجدات الـیومـیة ومحـدّثـة بـاسـتمرار”، عـلى أن “لا یـدخـل ضـمن مـفھوم النشـرة أي نشـر إلـكترونـي خـاصّ یـتمّ مـن قـبل أفـراد لـلتعبیر عـن آرائـھم وأفكارھم الخاصّة كالمدوّنات الشخصیة (blogs) أو عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ”.
جرائم النشر
- القدح والذم والتحقیر، الأخبار الكاذبة، خطاب الكراھیة.
- إجراءات إطلاق مؤسّسة إعلامیة.
- الـمؤسـسات الإعـلامـیة الـتي تـخضع لـموجـب الـترخـیص ھـي الـمؤسـسات الـتلفزیـونـیة والإذاعـیة الـتي تـبثّ عـبر اسـتخدام الـموجـات والـتردّدات الأرضـیة الـتي تـوفّـرھـا الـدولـة لھـذا الـقطاع (الـرسـم یـشمل بـدل استخدام الموجات والترددات).
- الـترخـیص یـجب ألّا یـكون مـبنيّاً عـلى اعـتبارات الـمحاصـصة، بل وفـق آلـیّة اسـتدراج عـروض ودفتر شروط تھدف الدولة إلى تحقیق مصلحة عامّة من خلالھا.
- لا تخضع الصحف لأيّ نوع من التراخیص المسبقة.
- الإعـلام الإلـكترونـي أو الـصحافـة الإلـكترونـیّة مـعفاة مـن الـترخـیص، ویـُكتفى بـالـتصریـح عـلى الـموقـع عـن الـمدیـر الـمسؤول وھـیئة التحـریـر وعـنوان الـمؤسـسة الإعـلامـیة.
الـمبدأ ھـو أطـلاق حـریـة إنـشاء الـمواقـع الإلـكترونـیة مـن دون أي مـوافـقة مسـبقة مـع إدخـال ضـوابـط ضـروریـة بـالنسـبة إلـى مـمتھني بـثّ الـموادّ الإعـلامـیة عـبر الشـبكة، الـذیـن یـخضعون لـموجـبات الـقانـون فـي الـشفافـیة وفـي تـسمیة مـدیـر مسؤول.
الجرائم والعقوبات وأصول المحاكمات
- إلغاء عقوبة الحبس في القضایا المتعلقة بالقدح والذم والتحقیر.
- إلـغاء الـتوقـیف الاحـتیاطـي عـلى ذمـة الـتحقیق بـالنسـبة إلى جـمیع وسـائـل النشـر والـتعبیر مـھما كـانـت صـفة الفاعل.
- إلـغاء مـھام الـضابـطة الـعدلـیة فـي الـتحقیق فـي جـرائـم النشـر الـمتعلّقة بـالـرأي والـتعبیر والـنقد ونشـر الـموادّ الـصحافـیة والإعـلامـیة وحـصر الـنظر فيھا مـباشـرة بـالـمحكمة الـمختصة بـناء عـلى شـكوى مباشرة أو ادّعاء من النیابة العامة.
- إلـغاء جـرائـم الـقدح والـذم والـتحقیر بـحق الـمؤسّـسات الـعامّـة والـمساس بھـیبتھا، وتـكریـس حـقّ نـقد جـمیع مـؤسّـسات الـدولـة دون اسـتثناء، عـلى أن یـبقى لـلموظـف الـعام أو لـممثل الـدولـة الأجـنبیة الـذي تـمّت الإسـاءة إليه شخصیّاً حق الادّعاء الشخصيّ من دون حق النیابة العامة بتحریك الدعوى تلقائیّاً.
- تـكریـس حـریـة الـتعبیر فـي الـمسائـل الـدیـنیّة وإلـغاء الـنصوص المجـرِّمـة بـحجّة الإسـاءة إلـى الأدیـان والشعائر الدینیة.
- إلـغاء الـنصوص التشـریـعیة الـتي تـمنح لـلقضاء الـعسكري أيّ صـلاحـیّة بـملاحـقة جـرائـم تـندرج ضـمن إطـار إبـداء الـرأي والـتّعبیر ونشـر الـمعلومـات الـتي تـتعلّق بـالـجیش والـمؤسّـسات الأمـنیة أو الـتي تـندرج تحت الإساءة والمساس بھیبة ھذه المؤسّسات من خلال النشر والتعبیر عن الرأي.
- تـوسـیع مـفھوم الـشخص الـعام الـذي یـُمكن الإثـبات بـوجـھه وعـدم حـصره فـقط بـالـموظـف الـعام، وفـق تـعریـف قـانـون الـعقوبـات، عـلى أن یـشمل الأشـخاص الـذیـن یـتعاطـون الـشأن الـعام مـثل رؤسـاء الأحـزاب الذین لا یشملھم النص الحالي الذي یعرّف الموظف العام.
- تـقدیـم الإثـبات بـتھم الـفساد وإسـاءة اسـتعمال السـلطة وإدارة الـمال الـعام بـحق الأشـخاص الـعامـین یُـبرئ الـناشـر، سواء الصـحافيّ أو المـواطن أو أيّ مسـتخدم لـوسـائـل الـتواصـل الاجـتماعي؛ وكـذلـك تـقدیـم مـعلومـات جـدّیـة بـحسن نـیّة عـن مـخالـفات لـلقانـون وھـدر لـلمال الـعام فـي أحـد الـمرافـق الـعامـة من دون الـتمكّن مـن تـقدیـم إثـباتـات قـاطـعة لا یـوجـب التجـریـم وإنّـما عـلى الـمحكمة أن تـطلب مـن الإدارة الـمعنیّة تـقدیـم الإیـضاحـات أو الأوراق والمسـتندات الـمتعلّقة بـالـمسألـة الـمثارة لـكي تـناقـش عـلناً، وعـلى ضـوء استجابة الإدارة وإثبات عدم صحّة المعلومات المثارة یُصار إلى التجریم.
دور المجلس الوطني للإعلام:
- یـنحصر دور المجـلس الـوطـني لـلإعـلام فـي مـراقـبة تـقیّد وسـائـل الإعـلام الـتلفزیـونـیة والإذاعـیة، الـتي یـتمّ الترخیص لھا، باستخدام الموجات والتردّدات الأرضیة بأحكام دفاتر الشروط المتّفق علیھا.
- یُـمنح المجـلس سـلطة إجـرائـیة تـمكنّه مـن مـحاسـبة وسـیلة الإعـلام بـعد تـنبیھھا وإتـاحـة الـمجال لـلدفـاع عـن نفسھا بما یتناسب مع المخالفة.
- لا یـمكن مـنح المجـلس الـوطـني لـلإعـلام أيّ سـلطة عـلى الـصحافـة الـمطبوعـة أو الإلـكترونـیة، والـتي تـبقى حـرّة فـي تحـدیـد سـیاسـاتـھا ومـضامـینھا الإعـلامـیّة، ولا تـخضع إلا لـموجـبات النشـر الـمنصوص عـليها فـي قانون الإعلام.
- لا يمكن مـنح المجلس الـوطـني أي رقابـة أو سـلطة عـلى وسـائل الـتواصـل الاجـتماعـي أو وسائط النشـر بواسطة الإنترنت.
الخوف على الحريات في قانونٍ، وانتهاكها تحت شعار القوانين، هو مبرَّر في لبنان، خصوصاً في ظلّ الانتهاكت الكبيرة. فمنذ بداية 2021، تمّ تسجيل أكثر من 80 انتهاكاً بحق حريّة الصحافة والتعبير، بحسب المسؤول الإعلامي في “مؤسسة سمير قصير” جاد شحرور.
وقال شحرور لـ”النهار”: “إن هذه الانتهاكات الـ80 التي سجّلت حتى الآن في العام 2021، إضافة إلى 340 انتهاكاً سجّلت في العام 2020، تُبرّر تراجع موقع لبنان في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” الدوليّة لحريّة الصّحافة. فقد خفّضت المنظمة في تصنيفها السنويّ إلى المركز 107، من أصل 180 دولة بعد ما كان في المرتبة 98، وقد انخفض أكثر من 4 مراكز في السنتين الأخيرتين.
ورأى شحرور أن عدّ الأرقام لم يعد مفيداً بالرغم من أهمّيته، بوجود طبقة سياسية لا تأبه، فمئات الانتهاكات التي سجّلت السنة الماضية لم تغيّر في أداء السّلطة شيئاً، وهي اليوم تسعى إلى إعادة التجديد لنفسها”.
وأشار إلى أنّه لطالما هناك أجهزة أمنيّة تأتمر بالأحزاب فسيبقى القمع مستمرّاً، مشدّداً على وجوب أن تتحوّل الحريات إلى قضيّة كاملة أساسيّة.
وختم بالتأكيد أن محاربة الدولة البوليسيّة لا تكون إلا عبر المواطنيّة الشاملة، باعتبار أن الإنسان يولد حرّاً، وعليه المحافظة على حرّيته، وأن يحوّل معركته إلى معركة وجود.
من موقع صحيفة النهار للصحافي اسكندر خشاشو نُشر في 02/11/2021