يندرج هذا المقال ضمن إطار «الحضور الحقيقي»، حملة لمدة خمس سنوات لإعادة إكتشاف سرّ الإفخارستيّا أطلقها تجمّع خليقة جديدة في تشرين الثاني 2014
لماذا نذهب إلى الكنيسة؟ من أجل القدّاس! ولكن، لماذا القدّاس؟
نرى لدى كثيرٍ من الناس، خاصّةً لدى الشبيبة، تهرّبًا من القدّاس. نسألهم عن السبب فيُجيبون: لا يعجبنا الكاهن؛ أو: لا نعرف التراتيل؛ أو: مَن يحضر الفيلم عينه أسبوعيًّا…
كلّها حجج تنبع من مصدرٍ واحد: لا نعرف ماهيّة القدّاس! فهو ليس صنع الكاهن ولا الجوقة، وهو ولو تكرّرت نصوصه إلاّ أنّه يأتينا دائمًا بجديد لأنّه يبنينا في البنوّة الإلهيّة. هل نؤمن حقًّا بعمل الله وبحميميّته التي تفوق إدراكنا؟
يبقى هناك أمرٌ آخَر: هل أحاول أن أحيا يوميًّا كابنٍ لله؟ ماذا تفيدني ساعة رياضة أسبوعيّة إن كنت لا أنتبه إلى طعامي؟ ماذا تفيدني ساعة قدّاس إن كنت لا أسمح لله أن ينير حياتي كلّها؟
سننظر في مقالاتٍ ثلاثة إلى القدّاس كمكان تنمو فيه إنسانيّتنا وتزدهر، وذلك من خلال الإيمان والرجاء والمحبّة.
الإفخارستيّا درب الإيمان
روم 10/9-15
9 فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص. 10فالإِيمانُ بِالقَلبِ يُؤَدِّي إِلى البِرّ، والشَّهادةُ بِالفمِ تُؤَدِّي إِلى الخَلاص، 11 فَقَد وَرَدَ في الكِتاب: « مَن آمَنَ بِه لا يُخْزى» . 12فَلا فَرْقَ بَينَ اليَهودِيِّ واليُونانِيّ، فالرَّبُّ رَبُّهم جَميعًا يَجودُ على جَميعِ الَّذينَ يَدعونَه. 13 « فكُلُّ مَن يَدْعو بِاسمِ الرَّبِّ يَنالُ الخَلاص» . 14كَيفَ يَدْعونَ مَن لم يُؤمِنوا بِه؟ وكَيفَ يُؤمِنونَ بِمَن لم يَسمَعوه؟ وكَيفَ يَسْمَعونَه مِن غَير ِمُبَشِّر؟ 15وكَيفَ يُبَشِّرونَ إِن لم يُرسَلوا؟ وقَد وَرَدَ في الكِتاب: «ما أَحسَنَ أَقدامَ الَّذينَ يُبَشِّرون!»
إيمانٌ في القلب وشهادةٌ بالفم. أومن فأشهد. لكن قبل أن أومن، عليّ أن أسمع، وحتّى أسمع يجب أن يكون هناك مَن يبشِّر، وهذا لن يستطيع تبليغ البشارة إن لم يُرسَل.
إذًا: هناك مَن يرسِل الشهود، هؤلاء يعلنون البشارة فأسمعها فأومن وأعترف بما به آمنت فيسمع الآخرون فيؤمنون فـ…
متى 28/16-20
16وأَمَّا التَّلاميذُ الأَحَدَ عَشَر، فذَهبوا إِلى الجَليل، إِلى الجَبَلِ الَّذي أَمَرَهم يسوعُ أَن يَذهَبوا إِليه. 17فلَمَّا رَأَوهُ سَجَدوا له، ولكِنَّ بَعضَهُمُ ارْتابوا. 18فَدَنا يسوعُ وكَلَّمَهم قال: «إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. 19فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، 20وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم».
أمر المسيح تلاميذه أن يذهبوا إلى الجبل في الجليل وهناك أظهر لهم ذاته فسجدوا له رغم ارتياب بعضهم. في إطار السجود والعبادة نسمعه يُرسلهم: «اذهبوا وتلمذوا جميعَ الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتُكم به، وهاءَنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم».
العبادة هي إذًا المكان حيث يسمع التلاميذ تفويضًا بالرسالة: هكذا فرز الروح القدس برنابا وشاول (رسل 13/1-3) في إطار العبادة والصوم. لذلك تصير الرسامات الإكليريكيّة ضمن القدّاس.
1 قور 11/23-26
23 فإِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم، وهو أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أسلِمَ فيها أخَذَ خُبْزًا 24 وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: «هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم .اِصنَعوا هذا لِذِكْري». 25 وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: «هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري».26 فإِنَّكُمَ كُلَّمَا أَكَلتُم هَذا الخُبْز وشَرِبتُم هذِه الكَأس تُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أن يَأتي.
الإفخارستيّا هي تذكار يسوع، لكنّنا بدلاً من أن نكتفي بالكلام على هذا التذكار، نقوم بإعلانه بالحركة والكلمة معًا. فالقدّاس كلّه إعلان ليسوع، والقربان هو كلمة تعطى لنا فنأكلها غذاءً للإيمان.
يتحقّق هذا الإعلان خاصّةً في القسم الأوّل من القدّاس، قسم الكلمة، حيث نعلن تدبير الله الخلاصيّ في الحسّاية (صلاة الغفران) ثمّ نصغي إلى القراءات المقدَّسة ثمّ إلى العظة. فقبل أن نأكل الكلمة نصغي إليها ونصلّيها. صلواتنا هي إعتراف لما آمنّا به سابقًا، وإصغاؤنا هو من أجل إذكاء هذا الإيمان… ولا يزال الربّ يسوع هو مَن يرسل الشهود ويُرسلنا كما أرسله الآب، أو بالحريّ: امتدادًا لرسالته.
«أيّها الربّ القدّوس الذي لا يموت، قدّس أفكارنا ونقِّ ضمائرنا فنسبّحك تسبيحًا نقيًّا ونصغي إلى كتبك المقدّسة، لك المجد إلى الأبد. آمين».
يسبق التسبيح الإصغاء لأنّنا لو لم نسمع قبلاً لما كنّا أتينا اليوم إلى هذه الخدمة الإلهيّة، لكنّنا لن نذهب من دون أن نتعرَّض إلى إصغاءٍ أعمق فينمو إيماننا وينضج.
للصلاة الشخصيّة
لو 1/26-38
26وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها النَّاصِرَة، 27إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم. 28فدَخَلَ إلَيها فَقال: « إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ». 29فداخَلَها لِهذا الكَلامِ اضطرابٌ شَديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام. 30فقالَ لها الـمَلاك: « لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله.31فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابناً فسَمِّيهِ يَسوع. 32سَيكونُ عَظيماً وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، 33ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية». 34فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: « كَيفَ يَكونُ هذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً ؟» 35فأَجابَها الـمَلاك: « إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى. 36وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضاً بِابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ الَّتي كانَت تُدعى عاقِراً.37فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله». 38فَقالَت مَريَم: « أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ». وَانصرَفَ الـمَلاكُ مِن عِندِها.
1. أضع ذاتي في حضرة الله، وأردّد: أهّلني يا ربّ أن أشعر بقوّة كلمتك!
2. أطلب نعمة: يا ربّ، زِدني إيمانًا!
3. أقرأ النصّ عدّة مرّات وأتوقّف عند الكلمة التي تستوقفني.
4. هناك حوار بين الملاك ومريم، مريم في مسيرة إصغاء وتمييز لمشيئة الله. أحاول الدخول في هذا الحوار والشعور بهذه المسيرة.
5. وأنا، كيف تصلني كلمة الله؟ عبر أيّ وساطات؟ كيف أتلقّاها؟ وكيف أحيا مسيرة التمييز؟
6. جواب مريم: هاءَنا أمة الربّ!؛ وأنا، ما هو جوابي؟
7. أختم بمناجاة ثمّ صلاة لفظيّة.
الخوري يوسف عسّـاف
من كهنة أبرشيّة بيروت المارونيّة
ومن جمعيّــة كهنة برادو الشرق
الحضور الحقيقي
أطلق تجمّع خليقة جديدة، مستلهماً قول البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني: «أيها المؤمنون، أعيدوا اكتشاف سرّ الإفخارستيّا كنور وقوّة لحياتكم اليوميّة في العالم»، حملة لمدة خمس سنوات لإعادة اكتشاف سرّ الإفخارستيّا، بعنوان: الحضور الحقيقي.
تهدف الحملة الى زيادة معرفة مسيحيّي الشرق الأوسط بحضور يسوع الحقيقي في سرّ الإفخارستيّا. ماذا يعني(هذا السرّ/الحضور)؟ كيف ولماذا يحوّلنا؟ وإبراز ما لهذا الحضور من أهميّة وما لفقدان الإيمان به من تبعات على حياة الكنيسة والمجتمعات وعلى الحياة الروحيّة الخاصّة.
الأب يوسف عساف / زينيت