اسمحوا لي، أن أضع بدايةً لهذه الفقرة الجديدة ، وستكونُ مبدءًا عاما ألا وهي: إننا لا نعرف الله، بل نعرف ظليلًا بسيطًا فقط عنه . لاننا لا نقدر أن نكوّن صورة خاصة عنه، لأنها، شئنا أم أبينا، ستكون صورة مشوّهة مشوّشة، صورة ملطّخةً بدماء الأبرياء، والمساكين.. ملطّخة بأفكارنا الوحشيّة القاتلة، ملطّخة بأوهامنا وأحلامنا وإسقاطاتنا . صورة داخل فكرنا وعقلنا، نحنُ صنعناها ووضعناها في زاويةٍ معتمةٍ من زوايا كياننا. وحتى هذا الأخير، لا يسكنُ فيه الله إلا بصورةً ناقصة.
من غير الممكن أن نجتهد، ونغامر بتكوين صورة وفكرة خاصة عن الله، ونقول هذا رأيي أنا: أنا أنظر الى الله هكذا.. وأنت لديك الله، وأنا لديّ إلهٌ، كلّ شخصٍ لديه فكرة عنه، كالمرايا والبلّور المهشّم، كلّ شخصٍ يرى صورة ناقصة في مرآته الصغيرة ، ولا يسمحُ لنفسه النظر إلى أبعد من فمه.
صراحة، أنا لستُ مدعيا، ومتعصّبا ومتزمّتا، وكأني أعرف وأفهم الله أكثر من غيري، وأطمئنُ قرّائي الأعزاء، أن شذراتي هذه ( التي بدأت من موضوع الخلق ثمّ الثالوث و الوحي والآن الإنسان أمام الله ) ، هي خواطر وتأملات وخلجات – اذا أردتم – نابعةٌ من لهفي وشوقي وحبّي لله ولعمله في حياتي، وأنا أريد أن أفهم، ولو قليلا، ولو شعرةً منه، لأني عندما أريده يختفي، وعندما لا أبحث عنه، أراه هو من يبحث عنّي، ويكون حاضرا، لكني لا أكترث له.
ولهذا، في كثيرٍ من المرات، أجد نفسي لاهيًا بأعمالي وبعيدا عنه، وعن الصلاة، أجلسُ في غرفتي أو في صالة الجلوس مكتئبا، حزينا، وكأني فقدت شيئا ما، أو كنـزًا عظيمًا، وهذه الحالة، أو بالأحرى لا نقول حالة : الشعور، هو شعورٌ حقيقي، ولا أتصوّر أن قارئي الكريم سينكر هذا الأمر . فعلا، هناك قوّة داخلنا، وفي الكون، تعملُ فينا إلى الآن، وهو الله . من هو هذا الله؟! الذي بسببه نحبّ ونعشق ، ونعمل ، وفي ذات الوقت ، هناك أناسٌ ، بسببه ، يقتلون ويحاربون ويتشاجرون ويكفرون … هل الله كائنٌ على أهوائنا وأمزجتنا البشرية الفاسدة…؟!.
غير مسموح لنا أبدا استعمال الله، لان الذي نستعمله في الحياة – هي الأشياء فقط – ولا يمكن أن نضع الله في مصفّ وخانة ودرج من درجات مكتبتنا للاستعمال، ومثل قطعة ” غيار ” للإحتياط ، وقت حاجتنا اليه فقط نظهره ونصبّه على الآخرين، إن كان في الفرح، أو الحزن، أو التعزية، أو في حفلات الزواج، أو المصائب، أو يستعمل كمسكّن ومهدّئ في وقت الأزمات. الله ليس شيئا من الأشياء المادية العاديّة، حتى – اذا أردنا القول – ليس شخصا كباقي الاشخاص، مع العلم إيماننا المسيحي يعترف بأنّ الله كائن شخصي حقيقي ؛ لكن، هو شخص بجدارة وامتياز لا ندرك ما هو .
يتبعُ
زينيت