الإنسان المريمي هو الآتي من الله بالروح والحق. ولكن عليه ان ينتمي إلى التوحيد. ان يوحد الله تعني ان يعتبر ان ليس له ثانٍ أي ليس له مثيل ولا يجمع اليه آخر فلكونه غير مكتفٍ بذاته يعطيك ذاته. مريم لم تأتِ من أحد بمعنى انها لم تستمد ذاتها من أحد. كانت النعمة وحدها تنشئها. بهذا المعنى كانت آتية من الله. وإذا كان هناك معناها المطلق فإنها ليست مدينة لأحد بمنزلتها عند الله. لا يعني شيئاً ان لها أباً وأماً. هي وليدة الله بمعنى يفوق العقل.
هذه العلاقة المباشرة بين الرب المعطي والإنسان المعطى له لا تكررها علاقة أخرى في الوجود. لذا صح في نظري ان تعتبر علاقة بعض بالله وحدانية. ليس لكونهم لا يحبون البشر بل بالعكس إذا استقووا بمحبة الرب يوزعون أنفسهم توزيعاً عظيماً على الناس وإذا صح ان نعتبر مريم أم المؤمنين الموحدين فهذا لكونها مستقلة عنهم تمام الاستقلال. هي منهم بالجسد وأعلى منهم بسبب من طهارتها الكاملة. المؤمن الحق ملتزم الدنيا وليس منعزلاً عنها. وفي لصوقه بالدنيا يبقى ملازماً الرب. أنت لا يصح ان تنعزل إلاّ عن الأشرار. الصالحون تلازمهم لأن بعضاً من صلاتك يأتي منهم. الصالحون في مشاركة، في سر تعاطي الحق الذي فيك. في الحقيقة نحب بعضنا بعضاً لكي نعرف الله. ليس من معرفة بالعمق بيننا بالتعاطي العميق الا بالمحبة المتبادلة. الفرد الذي ليس عنده محبة للآخرين لا يحب الله لأن الله تراه في الآخرين. ان تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك وان تحب الناس وصية واحدة. لا تستطيع ان تحب الله ان لم تكن مع الآخرين. الله لا تراه ولا تستطيع الحكم انك معه ان لم تحب الإخوة. الله الذي معك وفيك هو الإله الفاعل. لا رؤية لك غير هذه.
مريم حصتنا جميعاً إذا صارت لنا مثالاً. نحن مريميون إن ولدنا المسيح في الآخرين. وهذا في تراثنا مطلوب. أنت مريم أخرى إن أعطيت الناس المسيح.
مريم أم يسوع بالجسد ومنه بإشعاعها. الإنسان المريمي هو الآتي من الله بالروح والحق أي الذي لا يترك شيئاً لنفسه إذا ارتمى على ربه: “أنتم في العالم ولستم من العالم”، العالم مكان الوجود. أنت مع الله في هذا العالم وفي غيره ليس لك مكان.
مريم عرفت ان مكانها هو المسيح أي انه منشئها. أتمنى الا يلجأ إليها وحدها مسيحي في الدعاء لأنه ان لم يتلازم اسمها واسم يسوع لا تكون شيئاً.
كل قيمة العذراء انها من ابنها. فإذا نظرت إليها على حدة تلاشيها. ليس لنا ان نرى أحداً خارج المسيح. بلا المسيح لا يبقى لأحد وجود. سرنا في الكنيسة التراثية اننا إذا رأينا إلى القديسين يكونون مع السيد وإذا رأينا إليه ولم نذكرهم يكون هو معهم. هو لم يفصل نفسه عن أحبائه. أليست معية السيد والذين هم له هي الحقيقة التي يراها أبوه؟ لماذا يظن بعض اننا إذا ذكرنا مع المسيح أحباءه نكون في حالة إضافة بشر إليه. مَن قال لكم إنه لا يحب ما تسمونه الإضافة؟ أليست هذه توحيده بأحبائه؟ أنا ما شعرت يوماً إذا سمعت المؤمنين الآتين من التراث انهم إذا ذكروا مع السيد القديسين يريدون ان يضموا إليه كياناً لا يحبه. مَن قال إن القديس يرى نفسه شيئاً؟ لماذا هذا العزل المصطنع بين من نسميهم قديسين والمؤمنين الآخرين؟ الكاثوليك والأرثوذكس الفاهمون لا يعيشون ازدواجية إذا ذكروا المسيح وأحباءه معاً.