مَن هو هذا الكائن الغريب، الذي يتطوّر ويتأقلم في هذا الكون ويتفاعل فيه؟ لقد اختلفت التعريفات عنه على مرّ الزّمان، إبتداءً من أنه حيوان ناطق مع أرسطو، الى كائن إجتماعيّ بطبعه يتفاعل مع محيطه. لكن، إذا وحّدنا النظرة بين الفكر الفلسفي مع مفاهيم الدّيانات على إختلافها، يصحّ أن نسمّي “آدم” ومعناه في اللغة العبريّة “المأخوذ من التّراب”، فهل يبقى التراب ترابًا بعد أن نفخ فيه خالق السّماء والأرض من روحه؟
وبعدها حاول الفلاسفة والعلماء والمفكّرون، وضع الله تحت مجهر الإنتربولوجيا أي عمليّة إسقاط المفهوم الإنساني على الله، لكي يستطيع هذا الكائن البشري أن يفهم بعقله المحدود ذلك المطلق والغير مدرك، فثقافة الإنسان التراكميّة ببحثه عن الحقيقة والحرّية، راح ينقب عن جذوره ليفهم نفسه وحقيقة وجوده، بشوق الرّوح وشغف النّفس للعودة إلى مصدرها الأوّل، هذا ما يفعله العقل ليسبر علّة العلل والمحرّك الأوّل وواجد الوجود في حدّ ذاته، الله. في ملء الزّمان، هذا ما كشفه إبن الإنسان السيد المسيح، وهو من قال “أنتم أبناء الله تدعون”(متى 5: 9) وذكّرنا بما جاء في شريعة اليهود بأنّ الله قال: أنتم آلهة (يو10: 34). وهنا ليس المقصود الميثولوجيا الميزوبوتامية واليونانيّة من جلجامش إلى هرقل بل كلّ كائن بشري مخلوق على صورة الله ومثاله، فيه من التراب كما من الله.
فإذا نظرنا منذ البدء إلى يومنا هذا، ندرك بأنّ الإنسان لايستطيع أن يعيش المفاهيم الإنسانيّة والقيم الأخلاقية والإيمانية بمفرده إن لم يرتقِ إلى فوق. على سبيل المثال، لا الحصر، المحبّة الشّاملة، الحرّية والحكمة التّضحية والفداء، المسامحة والغفران، الإبداع والجمال، قبول الذّات والآخر، الكرم والعطاء وغيرها الكثير من الصّفات التي تُصنَّف صفات إلهيّة بامتياز.
وإذا نظرنا إلى النّصف الإنسانيّ بتغييب النصف الإلهي منه، نجد أيضًا على سبيل المثال لا الحصر، الأنانيّة الشّاملة، المصلحة الذّاتيّة فوق كلّ اعتبار، الثأر والتّعدّي، والإنغماس بالملذّات من الفجور والإدمان وغيرها الكثير الكثير، مما يخروج الإنسان من ملء الحياة ليوصله الى ملء الفراغ والموت. وهنا، يصلح القول كم من جثّة تمشي وكم من الأموات ما زالوا أحياء.
نعم إنّ الإنسان نصف إله ونصف إنسان.
فإذا انفتح على النّصف الأوّل، يعيش حياته بقيمة مضافة وأعطى معنى لكلّ شيئ للآلم والموت للفرح والحياة… وإذا غيّبه تهاوى وخسر معنى ما هو له، بل كل شيئ وأكثر خسر نفسه واندثر.
من يدري ويدري عمق ذاته وكيانه ورسالته والهيته كانت له الحياة والحياة الابدية.
فهل نصبو إلى هذا المستوى ونرفع وعيوننا وقلبنا وافكارنا إلى السماء! على الرّغم من انغماس أرجلنا في البيئة الحاضنة للتراب!
بقلم الاب بشارة إيليا الأنطونيّ