في مدرسة ديتريخ بونهوفر، مدرسة نشأت في ظل الطغيان النازي، نتعلم أن الله “سدًا للثغرات”. لا يجب أن نعطي الله هذا الدور الهامشي “كـ ’حشوة بديلة‘ لمعارفنا الناقصة… يجب أن نجد الله في ما نعرفه؛ لا يريد الله أن نتعرف عليه في المسائل غير المحلولة، بل في المسائل المحلولة”. لا يجب أن ننظر إلى الله كوصلة ومدة لأيدينا.
نعمة الله لا تعمل فينا رغمًا عنّا، بل تعمل فينا من خلال تعاوننا. يعلّم القديس بولس أننا “نحن عاملون معا في عمل الله” (1 كور 3، 9). ويعلن القديس توما الأكويني أن النعمة لا تحلّ مكان الطبيعة بل تتطلبها وتكملها. ويوحنا بولس الثاني في الرسالة العامة “الإيمان والعقل” يصرح أيضًا بأن الإيمان يتطلب الطبيعة ويكملها.
المسيحي الحقيقي هو صوفي يعيش “تصوّف العيون المفتوحة”. اتحادنا بالله يتم في “قلب العالم”، بحسب تعبير اللاهوتي هانس أورس فون بالتازار. حضورة الله ليس عائقًا، بل هو ملح ونور حاضر بشكل سري وفاعل في كل الوقائع.
لهذا يدعونا بونهوفر لعيش مسيحية ناضجة: “لا يمكننا أن نكون صادقين أمام الله دون أن نعترف بأنه يجب أن نعيش في العالم كما لو أن الله غير موجود. وهذا الأمر نعترف به ونعيشه في حضرة الله!”.
خلاصة بونهوفر البروتستانتي هي كاثوليكية جدًا. فالنعمة لا تحل مكان عمل الإنسان، بل في عمل الإنسان. حياتنا هي حياتنا حقًا. لسنا دمى في يد الله. لقد سمح الله أن يكون الإنسان كيانًا حرًا قائمًا في حضرته. قصة الخلق بالكلمة يوضح لنا هذا الأمر ويبين أن الخليقة ليست امتدادًا لكيان الخالق، بل هي كيان قائم بحد ذاته بإرادة الخالق.
كيف يتدخل الله في الخليقة إذَا؟ يتدخل لا رغمًا عنا، بل من خلالنا، من خلال “نَعَم” ـنا، من خلال انفتاحنا على نعمته.
هناك تدخلات عجائبية لله في التاريخ ولكن السبيل العادي للنعمة هو الطبيعة. يقوم الله بالعجائب، ولكن العجيبة الأعظم على هذه الأرض هي الإنسان. يقول أحد المعلمين أنه إذا أردت أن ترى أعاجيب الله، كنت أنت بالذات أعجوبة. فالله حاضر في التاريخ من خلال حضور الإنسان الذي هو بمعنى ما خليفة الله على الأرض.
زينيت