نتعرّض في مسيرتنا الحياتية لمشكلات وصعوبات تصل أحياناً إلى درجة الأزمة، فنفقد السيطرة على مجريات الأحداث. وأشدّ ما يُقلق الإنسان هو شعوره بأنّه ليس بأمان وفاقد للإستقرار، وبأنّه عاجز عن التحكّم بزمام أموره البديهية اليومية.
متى نعجز عن إيجاد حلّ للصعوبات الإجتماعية والنفسية؟ كيف نواجه هذه الحالة؟ لماذا يتعاطى كلٌ منا مع المخاطر بطريقة مختلفة؟ ما هي الطريقة المثلى لتخطّي الظروف الصعبة؟ من الناس من يواجه، ومنهم من يهرب، ومنهم من يعيش نكراناً تاماً للأحداث، فعلى ماذا يعتمد ذلك؟ وهل هناك طريقة مثلى لعبور الصعوبات؟ ما هو دور كل منا؟
«ليس بيدي حيلة، ولا إمكانية لديّ لمعالجة الظروف الإجتماعية التي نعيشها، وهي تشتد صعوبة يوماً بعد يوم. أنا أبحث على الإنترنت عن إمكانية إيجاد عمل بمجالي كطبيب بيطري في أستراليا، وإذا لم تتوفر لي الفرصة سوف أحوّل اهتمامي بالسفر لوجهة كندا؛ بعد ثلاثة أشهر سأكون في بلد، لا بل في قارة أخرى، وأبدأ حياة جديدة»، قال أنطوني لأصحابه، حزيناً، محبطاً.
في حين عاكسه رالف الرأي، قائلاً: «أنت تتهرّب من المسؤولية تجاه وطنك. فالغربة ليست سهلة؛ أنا اتخذت القرار بالبقاء، سوف أضع يدي بيد من يبقى هنا، ومعاً سوف نتخطّى الأزمات والصعاب. لن يكون الأمر سهلاً، لكنني سأبقى وأواجه».
إنّ طريقة التعاطي مع الظروف الصعبة من مشكلات وأزمات ليس رأياً أو خياراً عشوائياً، بل يدلّ التعاطي الى شخصية كل منا، وينطلق من تجاربنا الشخصية السابقة، كما يتأثر بالبيئة التي نعيش فيها وطبيعة الناس الذين نعاشرهم. هذا مع الإنطلاق أولاً من قدرتنا على تشغيل المنطق لدينا بشكل موضوعي وواقعي، فلا تغيّره انفعالاتنا وعواطفنا ورغباتنا.
يتراوح مستوى الصعوبات بين عابرة وبسيطة، وضاغطة وطويلة الأمد. ونختبر هنا قدرتنا على التحمّل من جهة، وتقبّل العيش بشروط مختلفة عمّا تعوّدنا عليه من جهة أخرى. فهل يستطيع الشخص الذي تعوّد على الرفاهية من تسوّق وسفر وسهر بشكل يومي أن يكتفي بـ200 دولار يمنحها له المصرف يومياً؟ كيف يستطيع من يقيّم نفسه بحسب المظاهر الخارجية والممتلكات الإستمرار في هذه الأوضاع؟
عند تغيّر الظروف التي نعيش فيها بشكل سلبي، يتعاطى كل منا بحسب شخصيته؛ فالشخص الإيجابي يتأمّل بتخطّي المرحلة الصعبة، ويضع لنفسه أهدافاً بحجم الوقت الحالي، متخلياً عن بعض الأمور التي يعجز عن تأمينها، متقبّلاً التغيير، متمتعاً بالمرونة اللازمة، واعياً لقدراته وإمكاناته، محاولاً استخدامها بهدف التقدّم والتطور، آملاً وواثقاً بغد أفضل. أما السلبي، فيغرق في التشاؤم، ويركّز على الأمور السيئة، وتسيطر عليه الإنفعالات والخوف والقلق، حتى لو امتلك كل ما يحتاج، يبقى غارقاً في الحزن، ناشراً حوله الإحباط والتوتر والقلق.
جلّ ما نحتاجه لتخطّي المراحل الصعبة في حياتنا هو التحلّي بالإيجابية، وتقبّل الأمر الواقع، والقدرة على التأقلم مع الظروف المختلفة. فلو فقدت سيارتي مثلاً بسبب حادث، لا أمكث في البيت حزيناً محبطاً، بل أجد وسيلة أخرى للتنقل، حتى لو اضطررت للذهاب إلى عملي سيراً على الأقدام.
لكل منا «هوية الأنا» الخاصة به، والتي يحتاج إلى أن يطورها في الظروف الصعبة، خصوصاً في الأزمات الإجتماعية التي يتشاركها مع مجموعات من الأشخاص، أي الإقتصادية والوطنية؛ ويعتمد ذلك على معرفة كل إنسان لقدراته ومهاراته الشخصية، ووضع مجموعة من الأهداف، بالإضافة إلى تحديد توقعاته من الآخرين، الذين يتشارك معهم أهدافاً كثيرة، وإلّا يلجأ إلى العزلة وكره الذات وعدم القدرة على التكيّف، فيشعر بالإغتراب قبل أن يغترب، ويفقد بذلك حس الإنتماء للمجموعة والوطن.
لكل منا قدرات وطاقات مخفية لم يستعملها حتى الآن، وربما تكون الظروف الضاغطة فرصة لنا لكشف مواطن القوة لدينا والإستفادة منها على صعيد الفرد والمجموعة.