لم يبخل لبنان يوماً على أبنائه بالمواهب والنعم والكفاءات ولم يبخل كذلك على العالم بضخ الأدمغة اللبنانية المفكّرة بمختلف أرجائه، أدمغة أفادت البشرية والمجتمعات المتقدّمة، حيث لمعت أسماء اللبنانيين في مجالات الفكر والثقافة والاختراعات والطب والتكنولوجيا فوصلوا إلى العالمية ورفعوا اسم لبنان عالياً، ما ولّد فينا ولا يزال فخراً وكبرياءً جرّاء انجازاتهم الاستثنائية، ومن بين هؤلاء يبرز شخص المخترع اللبناني فريد جورج متري الذي لم يتعب ولم يملّ يوماً من ابتكار أي جديدٍ جدير بالتقدير والتكريم.
الباحث والمخترع الدكتور فريد جورج متري أضاف مأثرة جديدة إلى مآثره المتعددة في عالم الأبحاث والاختراعات. فقد عمد فريد، يعاونه إثنان من المهندسين إلى تطوير تكنولوجيا جديدة لتحسين خصائص متدفق النفط عبر الأنابيب عند خطوط الإنتاج. وقد منحته الولايات المتحدة براءة الاختراع في الخامس من تموز 2016 . أهمية هذه التكنولوجيا الجديدة تكمن في قدرتها على تغطية كامل المقطع العرضي لأنبوب النفط، حيث تأتي نتائج تحديد المزجة أكثر اكتمالا ودقة. وللاختراع الجديد أيضاً مواصفات تقنية متعدّدة يصعب على غير الاختصاصي شرحها أو فهمها.
لكن هذا الإنجاز ليس الأول للبناني فريد متري، فقد حاز على عدد كبير من الجوائز حتى الآن.
فمتري بدأ دراسته في وطنه الأم لبنان ولقد حاز على البكالوريوس في الفيزياء من كلّية العلوم في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني) في العام 2000، وعلى الماسترز في العام 2001 والدكتوراه في الهندسة البيو-طبّية (2004) من جامعة كلود برنار في ليون، فرنسا. وقدّمت له ليون منحة لمتابعة أبحاثه الدراسية للماسترز في مختبر التصوير بالرنين المغناطيسي النووي. كما حاز أيضا على منحة من المؤسسة الوطنية للصحة والبحث الطبي في ليون (INSERM) لمتابعة أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في مختبر البحث العلاجي بالموجات فوق الصوتية.
انضم متري في العام 2004 إلى مختبر أبحاث الموجات فوق الصوتية في مايو كلينيك، في روتشستر مينيسوتا في الولايات المتحدة، وهو احد أهم مراكز الأبحاث الطبية في العالم، حيث يعمل أستاذا مشاركا في الهندسة البيو- طبّية، ولقد نال من المختبر جائزة على اختراعه مسباراً للعلاج الشعاعي للسرطان البروستات وهذا المسبار يُعتبر أكثر دقة وأقل إيلاماً وضرراً من الأجهزة التقليدية السابقة.
وفي العام 2005 حاز متري وهو لا يزال طالباً جامعيا على جائزة “الباحث الشاب” prix du jeune chercheur de la ville de Lyon من جامعة كلود برنارد في فرنسا.
ثم حاز في العام 2007 على جائزة إدوارد س. كيندل (الحائز على نوبل 1950 في الفيزيولوجيا والطب)، إضافة إلى سبعة جوائز سفر تنافسية للمشاركة في لقاءات دولية.
وانضم في آذار 2010 إلى مختبر لوس ألاموس الوطني National Los Alamos laboratory ليعمل باحثاً وهو أحد أهم المختبرات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية (الذي اخترع القنبلة الذرية الأولى). ومن ثم شركة “شيفرون chevron النفطية العملاقة حيث أنجز اختراعه الأخير.
ولم يتوقف متري عند هذا الحدّ بل اختير من بين أكثر من 1500 عالم أميركي ومن مختلف بلدان العالم لتولي منصب Director’s Fellowship في مديرية علوم الفيزياء الاختبارية في مختبر لوس ألاموس الوطني. ومتري، بحسب رئيس الصوتيات والمجسات في المختبر، ديبان ن.سينها، هو “اللبناني الأول الذي يتم اختياره لهذا المنصب في السنوات الخمس عشرة الماضية”. وأشار سينها إلى ان متري هو “من بين 2 بالمئة فقط من المتقدمين لهذه المنحة الذين حصلوا عليها”، وبأنه تم اختياره استنادا إلى “مساهماته اللامعة في الحقل العلمي وإلى إمكاناته المستقبلية، وإلى قوة إنجازاته المهنية وقوة المشروع الذي اقترَحتَه.”
والمختبر المذكور يديره الأمن القومي للوس ألاموس أل. أل. سي. بصفته أحد المختبرات التابعة لوزارة الطاقة. ويعمل على تطوير العلوم والتكنولوجيا وتطبيقها لضمان سلامة الرادع النووي للولايات المتحدة وأهليته؛ وخفض التهديد الناتج عن أسلحة الدمار الشامل، وانتشارها، والحد من الارهاب؛ وإيجاد الحلول للمعضلات الوطنية في مجالات الدفاع، والطاقة، والصحة، والبيئة، والبنى التحتية.
واعتبر رئيس الصوتيات والمجسات في المختبر، ديبان ن.سينها ان المنصب الذي حصل عليه متري “مرموق جدّا خاصة وأن عملية اختيار المرشّحين تتميز بشدّة المنافسة. وهناك أكثر من 1500 ممن يتقدّمون بطلبات في كل سنة، لا يتم إلا اختيار نحو 2 بالمئة فقط من بينهم، وذلك بعد مراجعة شديدة التدقيق تقوم بها لجنة الغربلة التي تضم مجموعة من 25 عضواً من كبار العلماء المحنكين ممن يتمتعون بقدر عال من الاحترام في مختبر لوس ألاموس الوطني.”
منحه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود في أيلول 2007 وسام الأرز الوطني برتبة ضابط.
كما وأن متري زار لبنان عام 2009 والتقى برئيس الجمهورية ميشال سليمان وأطلعه على الابحاث التي يجريها لتطوير آلات التصوير الخاصة بمرض السرطان والتي سجل فيها براءات إختراع في الولايات المتحدة.
إنّ لبنان اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التمسك بشبابه وكفاءاته لدفع المجتمع والمؤسسات إلى التطور وبالتالي إلى نمو الاقتصاد اللبناني، لكن المشكلة التي نواجهها تكمن في عدم تقدير الكفوئين وعدم تقديم الدعم والتعاون الكافيين لهم من أجل ضمان استمرارية نجاحهم، في ظل غياب الحكّام عن تحمل مسؤولياتهم الوطنية وانعدام إمكانيات الدولة والمؤسسات الخاصة والعامّة، وللأسف لا نرى إلّا الأوسمة وشهادات التقدير معلّقة على صدور المبدعين. فلنتخيل لبرهة ما قد يكون حجم الفائدة التي تعود إلى لبنان لو كان أمثال فريد متري موجودين اليوم في وطنهم الأم؟
بريجيت أبو أنطون
أوسيب لبنان