أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول: أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بعد أن تأمّلنا حول كيفيّة عيش العائلة أوقات العيد والعمل، نتوقّف الآن عند وقت الصلاة. إنّ تذمّر المسيحيّين المُتكرِّر مُتعلّق بالوقت: “ينبغي عليّ أن أُصلّي أكثر…؛ أريد أن أصلّي ولكنّ غالبًا ما ينقصني الوقت” وهذا الأمر نسمعه على الدوام. إنّ التأسّف صادق، بالطبع، لأنّ القلب البشريّ يبحث دائمًا عن الصلاة، حتى بدون أن يعرف، وإن لم يجدها لا يجد السلام، ولكن ليجدها ينبغي عليه أن يُغذّي في القلب محبّة “دافئة” لله، محبّة عاطفيّة.
تابع الأب الأقدس يقول يمكننا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً بسيطًا جدًّا. من الجيّد أن نؤمن بالله من كلّ قلبنا، من الجيّد أن نرجو أنّه سيساعدنا في الصعوبات، من الجيّد أن نشعر بواجب شكره. جميع هذه الأمور حقّة. ولكن هل نحبّ الربّ ولو قليلاً؟ هل نتأثّر عندما نفكّر بالله أو نندهش ونلين؟ لنفكّر في صياغة الوصيّة العظمى، التي تعضد باقي الوصايا: “أحبِب الربَّ إلهك بكل قلبِك وكُلِّ نفسك وكلِّ قوّتك” (تثنية ٦، ٥؛ راجع متى ٢٢، ٣٧). تستعمل الصيغة لغة محبّة قويّة وتسكبها في الله. وها روح الصلاة يقيم هنا أولاً. وإن كان يقيم هنا، فهو يقيم في الزمن باستمرار ولا يخرج منه أبدًا. هل نستطيع أن نفكّر بالله كاللمسة التي تحفظنا في حياة لم يكن قبلها شيء؟ لمسة لا يمكن لشيء، ولا حتى للموت، أن يفصلنا عنها؟ أم أنّنا نفكّر فيه فقط كالكائن العظيم، الضابط الكلّ الذي صنع كلّ شيء، الديَّان الذي يراقب كلّ تصرّف؟ كلّ هذا صحيح بالطبع، ولكن عندما يكون الله مركز عواطفنا، تأخذ هذه الكلمات معناها الكامل. فنشعر عندها بأنّنا سعداء وبالقليل من الإرتباك، لأنّه هو أيضًا يفكّر بنا ويحبّنا بشكل خاصّ! أليس هذا بالأمر الرائع؟ أليس أمرًا رائعًا أن يلمسنا الله بمحبّة أب؟ إنّه أمر جميل جدًّا! لقد كان بإمكانه أن يُظهر نفسه فقط كالكائن العظيم ويعطي وصاياه وينتظر النتائج. لكنّ الله قد فعل ويفعل على الدوام أكثر من هذا. فهو يرافقنا في درب الحياة، يحمينا ويحبّنا.
أضاف البابا فرنسيس يقول إن لم تُشعل محبّة لله النّار، فروح الصلاة لن يُدفئ الزمن. يمكننا أن نكثر الكلام “كما يفعل الوثنيّون” يقول يسوع؛ أو أن نعرض طقوسنا، “كما يفعل الفريسيّون” (راجع متى ٦، ٥. ٧). لكنّ القلب الذي تسكنه محبّة الله بإمكانه أن يحوّل إلى صلاة حتى مجرّد فكرة صامتة، أو تضرّع أمام صورة مقدّسة أو حتى قبلة نرسلها باتجاه الكنيسة. كم هو جميل عندما تعلّم الأمّهات الأبناء الصغار أن يرسلوا قبلة ليسوع أو للعذراء. كم من الحنان يحمل هذا التصرّف! في تلك اللحظة يتحوّل قلب الأطفال إلى مكان صلاة. وهذه عطيّة من الروح القدس. فلا نَنسيَنَّ أبدًا أن نطلب هذه العطيّة لكلّ فرد منّا! إنّ روح الله يملك أسلوبه الخاص ليهتف في قلوبنا “أبَّا أيّها الآب”، فيعلمنا أن نهتف “أيها الآب” كما كان يسوع يهتف، أسلوب لن نتمكّن أبدًا من إيجاده بمفردنا (راجع غلاطية ٤، ٦). ففي العائلة نتعلّم أن نطلب ونقدّر عطيّة الروح القدس هذه. إذا تعلمتها بالعفويّة عينها التي تتعلّم فيها أن تهتف “أبي” و”أمّي”، تكون قد تعلّمتها للأبد. وعندما يتمّ هذا الأمر، يلفّ حشا محبّة الله زمن الحياة العائلية بأسره، فتبحث عندها العائلة بعفويّة عن وقت الصلاة.
تابع الحبر الأعظم إن وقت العائلة، كما نعلم جيدًا، هو وقت معقّد ومفعم بالإنشغالات والإهتمامات. إنّه قليل على الدوام ولا يكفي أبدًا، وهناك العديد من الأمور التي ينبغي القيام بها. ومن لديه عائلة يتعلّم بسرعة كيف يحلّ مسألة حسابيّة يصعب على أكبر علماء الرياضيّات حلّها: فهو يتمكّن من مضاعفة الساعات الأربع والعشرين! ولهذا الأمر بالذات هناك أمّهات وآباء بإمكانهم أن يفوزوا بجائزة نوبل. فهم يعملون ثمان وأربعين ساعة في الساعات الأربع والعشرين: لا أعرف كيف يقومون بهذا ولكنّ هذا ما يفعلون! هناك الكثير من العمل في العائلة! يعيد روح الصلاة الوقت لله ويخرج من هوس حياة ينقصها الوقت على الدوام، فيجد السلام في الأمور الضروريّة ويكتشف فرح عطايا غير مُنتظرة.
أضاف الأب الأقدس يقول يمكن للأختين مريم ومرتا، اللتين يحدثنا عنهما الإنجيل الذي سمعناه، أن تشكّلا لنا مرشدتين صالحتين؛ لقد تعلّمتا من الله تناغم الأنماط العائليّة: جمال العيد، طمأنينة العمل وروح الصلاة (راجع لوقا ١٠، ٣٨- ٤٢). لقد كانت زيارة يسوع، الذي كانتا تحبانه، عيدًا لهما. ولكن في أحد الأيام تعلّمت مرتا أن عمل الضيافة، بالرغم من أهميّته، هو ليس كلّ شيء وإنّما الجوهريّ حقًا و”النصيب الأفضل” من الوقت هو الإصغاء للربّ على مثال مريم. فالصلاة تنبع من الإصغاء ليسوع ومن قراءة الإنجيل، وبالتالي لا تنسوا أبدًا أن تقرؤوا يوميًّا مقطعًا من الإنجيل. والصلاة تنبع أيضًا من الثّقة بكلمة الله. هل نجد هذه الثّقة في عائلاتنا؟ هل نملك إنجيلاً في البيت؟ هل نفتحه أحيانًا لنقرأه معًا؟ هل نتأمّل به من خلال صلاتنا للمسبحة؟ عندما يُقرأ الإنجيل ويُتأمّل به في العائلة يصبح كخبز جيّد يغذّي قلب الجميع. وفي الصباح والمساء، وعندما نجلس إلى المائدة لنتعلّم أن نتلو صلاة ببساطة معًا: فيسوع هو الذي يأتي بيننا كما كان يذهب إلى عائلة مرتا ومريم ولعازر. هناك أمر يحزنني وقد رأيته في المدن: هناك أطفال لم يتعلموا رسم إشارة الصليب! ولكن أنتم أيّها الآباء والأمّهات ينبغي عليكم أن تعلّموا أطفالكم أن يصلّوا ويرسموا إشارة الصليب: إنّها مهمّة جميلة للأمّهات والآباء!
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: في صلاة العائلة، في أوقاتها القويّة ومراحلها الصعبة، نحن موكلون لعناية بعضنا البعض لكي يُحفظَ كلّ فرد في العائلة في محبّة الله.
الفاتيكان – إذاعة الفاتيكان